الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛ فيعتقد الغلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وأن هذا النور مخلوق من نور الله جل وعلا، فممن قال بذلك منهم: ابن عربي الحاتمي[1] وعبد الكريم الجيلي[2] وأبو الحسن بن عبد الله البكري[3] والبريلوي، ومحمد عثمان عبده البرهاني وغيرهم.
ومناقشة هؤلاء الغلاة فيما يعتقدونه في مطلبين:
الأول: ذكر دليلهم والكلام عليه من جهة الثبوت.
الثاني: المفاسد العقدية المترتبة عليه.
المطلب الثاني: المفاسد العقدية المترتبة على هذا الحديث.
المفسدة الأولى: اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور.
وهذا باطل من وجهين:
الوجه الأول: إن في إثبات هذا المعنى الذي زعموه نفيا لبشرية الرسول صلى الله عليه وسلم التي أمره الله تعالى أن يعلنا في الملأ، قال تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا } [الإسراء: 93]، والبشر مخلوقون من تراب لا من نور قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20].
وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ } [فاطر: 11] الآية، والآيات كثيرة في هذا المعنى، فرب العزة والجلال يخبرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من بني آدم عليه السلام.
فتخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه خلق من نور يحتاج إلى مخصص، ولا مخصص، وأما الحديث المنسوب إلى عبد الرزاق فلا يجوز التخصيص به أصلا، لأنه ليس حديثا صحيحا، لما سبق ذكره.
قال ابن تيمية: والنبي صلى الله عليه وسلم خلق مما يخلق منه البشر، ولم يخلق أحد من البشر من نور، بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله خلق الملائكة من نور، وخلق إبليس من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" وليس تفضيل بعض المخلوقات على بعض باعتبار ما خلقت منه فقط، بل قد يخلق المؤمن من كافر والكافر من مؤمن، كابن نوح منه، وكإبراهيم من آزر، وآدم خلقه الله من طين، فلما سواه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وفضله عليه بتعليمه أسماء كل شيء وبأن خلقه بيديه، وبغير ذلك[4]، فهو وصالحوا ذريته أفضل من الملائكة وإن كان هؤلاء مخلوقين من طين وهؤلاء من نور"[5].
الوجه الثاني: إن الذين قالوا بخلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور، غفلوا عن الآية من أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، لا قدرة له إلا قدرة البشر، وإنما يؤيده الله تعالى بالوحي، وبنصره كيف يشاء ربنا ويرضى، وذلك لما طلب منه المشركون أمورا ليست في قدرة البشر على سبيل التعجيز، أمره ربه جل وعلا أن يقول: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 93]، وإنما الله وحده هو المتصرف في جميع الأمور إن شاء أتاكم بما سألتم عنه وإن شاء منع، وهذا دليل واضح على أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم من آيات بينات، ودلائل واضحات ليست في قدرة البشر إنما هو أمر من عند الله عز وجل.
الهوامش:
الهوامش:
[1] الفتوحات المكية (1/199).
[2] الإنسان الكامل (2/46).
[3] البكري: الأنوار ومصباح السرور والأفكار وذكر نور محمد المصطفى المختار (4)، وما بعدها.
[4] أي من الفضائل
[5] مجموع الفتاوى (11/94-95).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.