ثمرات اليقين بالله

ثمرات اليقين بالله





إن اليقين يورث صاحبه أمورًا جليلة عظيمة، ويؤثر في سلوكه تأثيرًا عجيبًا، فهو يزيد العبد المسلم قربةً من الله عز وجل وحبًّا ورضا بما قدره وقضاه، ويزيد صاحبَه استكانةً وخضوعًا لربه جل جلاله، كما أنه يكسبه رفعةً وعزةً، ويبعده عن مواطن الذل والضعة، ونُجْمِلُ هنا من ثمرات اليقين ما يلي:
أولًا ـ الصبر عند المصيبة:
إن من عوامل ثبات العبد عند المصيبة هو اليقين بالله، وأن ما قدره الله وقضاه لعبده فهو خير له، فيكون القلب مستريحًا مطمئنًا، فيرتفع عنه السخط والهمُّ والغمُّ، فيمتلأ قلبه محبة لله ورضا به وشكرًا له، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (فلابد من الصبرِ على فعلِ الحسنِ المأمورِ، وتركِ السيءِ المحظورِ، ويدخلُ في ذلك الصبرُ على الأذى وعلى ما يُقال، والصبرُ على ما يصيبه من المكاره، والصبرُ عن البطرِ عند النعمِ، وغير ذلك من أنواع الصبرِ، ولا يمكن العبدُ أن يصبرَ إن لم يكنْ له ما يطمئنُ له ويتنعمُ به ويغتذي به وهو اليقين)([1]).
وقال أيضًا مبينًا موجبات الرضا والحمد: والثاني علمه – العبد - أن اختيارَ اللهِ لعبدِه المؤمنِ خيرٌ من اختيارِه لفسِه، كما روى مسلم في صحيحِه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((والذي نفسي بيدِه، لا يُقضى للمؤمنِ قضاء إلا كان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابتْه سراء شكرَ فكانَ خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبرَ فكان خيرًا له))([2]).
ثانيًا ـ القيام بأمر الله والثبات على طاعته:
كذلك من عوامل القيام بأمر الله والثبات على طاعته هو اليقين بالله أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، واليقين أن ما وعد الله لأهل طاعته من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة حق وصدق([3])، بل ترك القيام بأمر الله يكون بسببين:
  • ضعف تصديق العبد بما وعد اللهُ أهلَ طاعته.
  • ميل العبد والتفاته إلى ما في أيدي الناس من أمور الدنيا.
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - شارحًا لمسألة إرضاء الخلق بسخط الله: (فإن اليقينَ يتضمنُ اليقينَ في القيامِ بأمرِ اللهِ وما وعدَ اللهُ أهلَ طاعتِه، ويتضمنُ اليقينَ بقدرِ اللهِ وخلقِه وتدبيرِه، فإذا أرضيتهم بسخطِ اللهِ لم تكنْ موقنًا لا بوعدِه ولا برزقِه، فإنه إنما يحملُ الإنسانَ على ذلك: إما ميلٌ إلى ما في أيديهم من الدنيا، فيترك القيامَ فيهم بأمرِ اللهِ لما يرجوه منهم، وإما ضعف تصديقٍ بما وعدَ اللهُ أهلَ طاعتِه من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة.
فإنك إذا أرضيتَ اللهَ نصرَك ورزقَك وكفاك مؤنتهم، فإرضاؤهم بسخطِه إنما يكون خوفًا منهم ورجاء لهم، وذلك من ضعفِ اليقين، وإذا لم يقدرْ لك ما تظنُّ أنهم يفعلونه معك، فالأمر في ذلك إلى اللهِ لا لهم، فإنه ما شاءَ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ، فإذا ذممتهم على ما لم يقدر كانَ ذلك من ضعفِ يقينك، فلا تخفهم ولا ترحمهم ولا تذمهم من جهةِ نفسِك وهواك)([4]).
ثالثًا ـ الهدى والفلاح في الدنيا والآخرة:
كذلك اليقين يورث صاحبه الهدى والفلاح في الدنيا والآخرة، فاليقين من أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم، والفلاح والنجاة يوم الدين؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4].
رابعًا ـ الإمامة في الدين:
ومن ثمرات اليقين أيضًا أنه إذا تزوج بالصبر ولد بينهما حصول الإمامة في الدين([5])؛ قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، وهي مرتبة فوق الهداية في الدين، لأن الموقنين بالإضافة إلى كونهم مهتدين فهم أئمة هداة يهدون الناس([6]).
خامسًا ـ تكفير الذنوب ودخول الجنة:         
ومن أعظم ثمرات اليقين هو أن بسببه تُكَفَّرُ الذنوب ويدخل صاحبه الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: ((اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيتَ من وراءِ هذا الحائط يشهدُ أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبُه، فبشِّرْه بالجنةِ))([7]).
ومن يشهد هذه الشهادة وهو مخلص فيها موقنٌ بها، فلابد أن يسير في حياته على وفق ما يأمر اللهُ به ورسوله، ولاشك في أن من سار في حياته على هذا المنهج فإنه سيكون من الفائزين يوم القيامة؛ قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (إذا قالها العبدُ بإخلاصٍ ويقينٍ تامٍّ، لم يكنْ في هذه الحالةِ مُصِرًّا على ذنبٍ، فإن كمالَ إخلاصِه ويقينِه يوجبُ أن يكونَ اللهُ أحبَّ إليه من كلِّ شيءٍ، وأخوفُ عنده من كلِّ شيءٍ، فلا يبقى في قلبِه إرادةُ ما حرمَ اللهُ، ولا كراهة لما أمرَ اللهُ، فهذا الذي يحرم على النار)([8]).

الهوامش:
([1]) الاستقامة، ابن تيمية، (2/261)، مجموع الفتاوى، له، (3/330).
([2]) رواه ابن حبان، (2896).
([3]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (16/182).
([4]) مجموع فتاوى، ابن تيمية، (1/51).
([5]) مدارج السالكين، ابن القيم، (2/293)، ومجموع فتاوى ابن تيمية، (3/358).
([6]) تفسير السعدي، ص(656).
([7]) تقدم تخريجه.
([8]) تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء، ابن تيمية، (1/360).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
ثمرات اليقين بالله doc
ثمرات اليقين بالله pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى