يذكر اللهُ اليقينَ من أوصاف أهل الإيمان؛ لأن اليقين تصديقٌ ممتدٌ من الدنيا إلى الآخرة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4]، قال الفخر الرازي: (إنَّ اللهَ مدحهم على كونِهم متيقنين بالآخرةِ، ومعلومٌ أنه لا يُمدحُ المرءُ بأنْ يتيقنَ وجود الآخرةِ فقط، بل لا يستحقُّ المدحَ إلا إذا تيقنَ وجودَ الآخرةِ مع ما فيها من الحسابِ والسؤالِ وإدخالِ المؤمنين الجنةَ والكافرين النارَ)([1]).
فاليقين وأهله هم الذين مدحهم الله وأثنى عليهم، لأن اليقين مشاهدةُ الإيمان بالقلب، فكما أن العين تشاهد الحقائق الماثلة أمامها في العالم المشهود عالم الشهادة، فإن اليقين هو مشاهدة الغيب بالقلب، فإذا وصلَ القلبُ إلى هذه المرتبةِ وإلى هذا المستوى؛ فإنه يكونُ قد تيقنَ، وارتقى العبدُ بإيمانِه، وصارَ بمنزلةٍ عاليةٍ، قد توصله عند الله عز وجل إلى أعلى المنازل([2]).
كذلك من صفاتِ الهادين المهديين أئمةِ الهدى والدينِ، الذين يُخْرِجُ اللهُ بهم العبادَ من الظلمات إلى النورِ، ومن عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ ربِّ العبادِ هو اليقينُ المقترنُ بالصبرِ؛ كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فمن أُعطي الصبر واليقين؛ جعلَه اللهُ إمامًا في الدين([3]).
وتارةً نجدُ القرآنَ الكريم يذمُّ من لا يقين عنده؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82]([4]).
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (وقال تعالى في ذمِّ الكفار: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32]، ووصفَ المتقينَ بأنهم بالآخرةِ يوقنون)([5]).
فالخلاصة: أن اليقين شعبةٌ من شُعب الإيمان، بل هو من أرفعها شأنًا وأعظمها أجرًا، ومن اتصفَ به فقد حقَّق الإيمان، وبالتالي كان القرآنُ هدى له، كذلك إذا تزوج اليقينُ بالصبر ولد بينهما حصول الإمامة في الدين، ومن أَعْرَضَ عنه فهو من المذمومين الضالين.
المراجع:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.