فضائل اليقين بالله

فضائل اليقين بالله





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ ثم أما بعد، إن اليقين هو معيار القلوب والعقول، يتناول الجانب الفكري المبدئي، وهو الثقة الكاملة في أحقية الرسالة وسلامة المنهج، فالصف الإسلامي لا يساوره ريب في أنه على الحق، طالما أنه مستمسك بوحي السماء، وأن الله ناصره لا محالة، لا يبرح مربَّع اليقين مهما انتفخ الباطل وانتفش، ومهما بدت علامات الضَّعف على الجماعة المؤمنة في حالات الضراء؛ لأن الحقَّ حقٌّ دائمًا، ولو اغترَّ المغترُّون في وقت من الأوقات بهذا الباطل وقوته وسطوته وتبرُّجه.
وإنما يحزُّ في نفوس المؤمنين ما يكون عليه بعضهم من التباسٍ بين حقٍّ أبلج وباطل سافر، عندما تعمل الشائعات والتلاعب النفسي والمصالح القريبة فعلها، فتصيبُ بعضَ الرموز، فيكونون فتنةً لبعض المخلصين وأصحاب التديُّن العاطفي، يظهر يقين المؤمنين عند غلبة الشبهات أحيانًا، وغلبة الشهوات أحيانًا أخرى، أما المتسلحون باليقين، فلا يزيدهم التحدي الكبير إلا عزيمةً وإصرارًا وثباتًا؛ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
ليس هذا كلامًا ماضويًّا، بل هو معالم إيمانية تهدي السالكين لطريق نصرة الدين وخدمة الأمة في كل زمان، يبقى غضًّا طريًّا مهما تباعدت الأحقاب واختلفت الأمصار، أكَّدت الأحداثُ جدواه مرةً بعد مرة، كلما واجه المسلمون حالات العدوان والتحدي، وجرَّبه الدعاةُ والمصلحون، وقادةُ الفكر والرأي واستيقنوه، فكم ذلَّلَ اليقينُ من صعابٍ!! وكم مكَّن الصبرُ المؤمنين من تحقيق النصر والفوز في ظروفِ اليأس والقنوط!!
إن اليقين شعبة عظيمة من شعب الإيمان، وصفة من صفات أهل التقوى والإحسان، قال تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [لقمان: 4-5].
ولأهمية اليقين فقد نبه الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الركون إلى أهل الشك ومن ليس لديهم اليقين الكامل بالله رب العالمين؛ قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60]، كما أمره بمداومة العبادة حتى يأتيه اليقين التام بلقاء ربه والفوز بمرضاته؛ قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 98-99].
وإذا استحكم اليقينُ في القلوب، فإن صاحبه لا يعرف اليأس مهما طال الليلُ، وأهل اليقين لا يعرفون اليأس، وبالتالي فمهما وقع عليهم كأفراد أو الأمة كلها من مصائب وبلايا ومحن ونكبات وتسلط الأعداء، ومهما امتد الظلامُ؛ فهم يثقون في الله، ويوقنون بربهم.
فالليل مهما طالت ساعاته ومهما اشتدت ظلمتُه، فإنه يزول وينفلق عن بياض الصبح، فمع الفقر غنى، وبعد المرضِ عافيةٌ، وبعد الحزنِ سرورٌ، وبعد الضيق سَعَةٌ، وبعد الحبسِ انطلاقٌ، وبعد الجوعِ شبعٌ، فسوف يبدل الحال، وتهدأُ النفسُ، وينشرحُ الصدر، ويسهل الأمرُ، وتُحل العقدُ، وتنفرجُ الأزمةُ.
وإن اليقين يورث صاحبه أمورًا جليلة عظيمة، ويؤثِّر في سلوكه فوائد جمة: فهو يزيد العبدَ المسلم قربًا من الله عز وجل، وحبًّا، ورضًا بما قدره وقضاه، وهو لُبُّ الدين، ومقصده الأعظم، ويزيد صاحبَه استكانةً وخضوعًا لربه وخالقه جل جلاله، كما أنه يُكْسِبه رفعةً وعزةً، ويُبْعِدُه عن مواطن الذل والضعة.
كما أنه يحمل صاحبه دائمًا على الإخلاص والصدق، وتحرِّي ذلك في كل أعماله، واليقين يضبط العلاقة بين العبد وبين الرب، ويجعل العبد يلتزم الإخلاص، والصدق، والمراقبة، وفعل ما يليق، وترك ما لا يليق في تعامله مع ربه ومع الآخرين.
 

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
فضائل اليقين بالله doc
فضائل اليقين بالله pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى