حكم اليقين

حكم اليقين





اليقين له مرادان، ولكل مرادٍ حكمٌ يترتب عليه:
المراد الأول:
قد يُراد به اليقين بأصل الإيمان، فهو بهذا المعنى شرطٌ من شروط لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولا إيمان مع الشك أو التردد وعدم اليقين، فالإيمان لا يُقبل إلا باليقين؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فأما اليقينُ الذي هو صفةُ العبدِ، فذلك قد فعلَه من حينِ عَبَدَ ربَّه، ولا تصحُّ العبادةُ إلا به، وإن كان له درجات متفاوتة)([1]).
ومن كان عنده شك في الله ورسوله ودين الله فهو كافر؛ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].
وأخبر اللهُ تعالى عن الكفار والمنافقين أنهم في شك وريب وتردد؛ فقد أخبر تعالى عن الكفار أنهم قالوا لرسلهم: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [إبراهيم: 9]، وقال سبحانه عن المنافقين: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45].
واليقين بهذا المعنى هو مراد العلماء بذكر "العلم" شرطًا من شروط الشهادتين، فاليقين هو العلم المستقر في القلب مع اعتقاد العمل بالشهادتين؛ يقول ابن تيمية: (اليقينُ يُرادُ به العلم المستقر في القلبِ، ويُرادُ به العمل بهذا العلمِ، فلا يُطلقُ الموقِنُ إلا على من استقرَّ في قلبِه العلمُ والعملُ)([2])، وقال في موضعٍ آخر بأن اليقين يتناولُ علمَ القلبِ وتصديقَه وعملَه وطمأنينَته([3]).
المراد الثاني:
بمعنى زيادة العلم وطمأنينة القلب، فهو درجة أخص من العلم، فهو بهذا المعنى شعبة ودرجة من أعلى درجات الإيمان، والموقنون بهذا المعنى طائفةٌ خاصَّةٌ من المؤمنين، أعلى درجةً ومنزلةً واطمئنانًا واستقرارًا من سائر المؤمنين، وهو بهذا المعنى قريبٌ من معنى الإحسان، وقد قال بعضُ أهلِ العلم بأن الإحسانَ يكونُ في عملِ الجوارح، واليقينَ في عملِ القلبِ([4])، فيكون بهذا المعنى منزلة عظيمة يحبها الله تعالى، وليست شرطًا في أصل الإيمان.
يقول شيخ الإسلام: (فكثيرٌ من الناسِ لا يَصِلونَ لا إلى اليقينِ ولا إلى الجهادِ، ولو شُكِّكوا لشكُّوا، ولو أُمروا بالجهادِ لما جاهدُوا، وليسوا كفارًا ولا منافقين، بل ليس عندهم من علمِ القلبِ ومعرفتِه ويقينِه ما يدرأُ الريبَ، ولا عندهم من قوةِ الحبِّ للهِ ورسولِه ما يقدِّمُونه على الأهلِ والمالِ، وهؤلاء إن عوفوا من المِحَنِ وماتوا دخلوا الجنةَ، وإن ابتُلوا بمن يوردُ عليهم شبهات تُوجِبُ ريبَهم، فإن لم يُنْعِمْ اللهُ عليهم بما يزيلُ الريبَ؛ وإلا صاروا مرتابين، وانتقلوا إلى نوعٍ من النفاق ...)([5]).

الهوامش:
([1]) الاستقامة، ابن تيمية، (1/418).
([2]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (16/337)، وبيان تلبيس الجهمية، له، (1/525).
([3]) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (15/184)، والإيمان، له، ص(216-217).
([4]) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (14/108)، والإيمان، له، ص(268)، وأعمال القلوب حقيقتها وأحكامها، سهل بن رفاع العيتبي، (1/260).
([5]) الإيمان، ابن تيمية، ص(257-258).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
حكم اليقين doc
حكم اليقين pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى