عظم يقين النبي محمد صلى الله عليه وسلم

عظم يقين النبي محمد صلى الله عليه وسلم






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ أما بعد؛ فهذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقول لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهما في الغار، وقد أحدقت بهم الأخطار: ((ما ظنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهما، لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنَا))([1])، قال سبحانه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].
وعَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ؛ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُمْ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ يَوْمًا، فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ، يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَظِلُّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ.
قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا بِهَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَا، فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفَهُ، وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللهُ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللهُ، فَشَامَ السَّيْفَ، وَجَلَسَ))، فَلَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ([2]).
وقد سار الصالحون على نهج الأنبياء، واتبع آثارَهم عبادُ الله المهتدون، فما نزلت بهم خطوبٌ، ولا أحاطت بهم كروبٌ، إلا عاذوا باللهِ علام الغيوب، والمؤمنُ في كل زمان ومكان يحتاج إلى هذا اليقين بالله، تحتاجه إذا عظمت منك الذنوبُ، وعظمت منك الإساءةُ في حق الله، تحتاجه وأنت مع أهلك وولدك، وتحتاجه وأنت مع عدوك وصديقك.
ولذلك كان لزامًا على كل من يحب اللهَ أن لا يمسي ويصبح وفي قلبه غير الله، وإذا أراد الله أن يحبك وأن يصطفيك ويجتبيك ألهمك أن يكون قلبك متعلقًا به جل جلاله، إذا أردت أن يحبك اللهُ كمال المحبة، فلا تمسينَّ ولا تُصبحنَّ وفي قلبك غير الله وحده.
تدور أحزانك وتدور أفراحك مع الله، وجميع شُعَبِ قلبك منيبة إليه، فكم في عباد الله من أناس ملئوا قلوبهم بحبِّ الله واليقين به؛ فكان الله معهم، ومن ذكرَ اللهَ ذكره اللهُ، ومن ذكرَه اللهُ فالأمن له كل الأمن.
لذلك كان من منازل العبودية ودلائل الإنابة إلى الله أن توقن بالله الذي لا إله إلا هو؛ قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (واليقينُ من منازلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5])، فمنْ قالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، فإنَّ اللهَ يمتحنه باليقينِ، فاليقينُ باللهِ هو حلاوةُ الإيمان، وألذُّ ما تكون الساعة إذا عُمرت القلوب باليقين بالله عز وجل؛ لذا كان الصحابة رضي الله عنهم يعمرون القلوب باليقين.
وقد قرر العلماء - رحمهم الله -: أن اللهَ يبتلي الإنسان باليقين في موضعين؛ أحدهما: وجود الحاجة، وثانيهما: وجود الغنى، ولذلك قال بعضُ العلماء: إذا أردتَ اليقين فكن أفقر الخلق إلى الله، مع أن اللهَ أغنى ما يكون عنك.
فاجعل فقرك إلى الله، فإنه يسدُّ فقرَك ويسدُّ حاجتَك وعوزك، ولذلك ما عُمر قلب إنسان في أية مصيبة أو أية نازلة بالله إلا كفاه الله، ترى المؤمن يفقد سمعَه ويفقد بصرَه، ويفقد قدمَه، ويفقد مالَه، وتقول له: كيف أنت؟ يقول: "الحمد لله في نعمةٍ من الله"، من اليقين الذي عُمر في تلك القلوب.

الهوامش:
([1]) رواه البخاري، (4663).
([2]) رواه أحمد في مسنده، (14387)، والبُخَارِي، (2910) و(2913) و(4134)، ومُسْلم، (6015).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
عظم يقين النبي محمد صلى الله عليه وسلم doc
عظم يقين النبي محمد صلى الله عليه وسلم pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى