أنواع ودلائل اليقين بالله

أنواع ودلائل اليقين بالله





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛..
اليقين نوعان:
الأول: يقينٌ في خبرِ الله تعالى، وهو الإيمانُ بيقينٍ بكل ما جاء به الشرعُ من أمور الغيب، ويشمل أركان الإيمان وكل تفاصيلها الغيبية الثابتة بنصِّ الكتاب والسنة، ومن ذلك أشراط الساعة وتفاصيل البعث والنشور، والجنة والنار، ونحو ذلك، ومن ذلك مثلًا: يقين الرسول صلى الله عليه وسلم بنصرِ الله له وإظهار دينه، في الوقت الذي كان فيه الرسولُ صلى الله عليه وسلم يعاني من أقسى أنواع الأذى والحرب.
الثاني: يقينٌ في أوامر الله تعالى الشرعية والكونية؛ قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، والمرادُ الاطمئنان الكامل مع العمل بتسليمٍ وانشراحِ صدرٍ بكل ما جاء في أوامر اللهِ الشرعية والكونية، وهذا قد يكون ثقيلًا على ضِعاف الإيمان، كمن قد يجادل حول تحريمِ الربا، أو وجوب الحجاب، أو يشكك في ميراث الأنثى، ونحو ذلك، فمن عنده يقينٌ لا يمكن أن تطرأ عليه هذه الشبهاتُ وأمثالُها، وإن طرأت عليه فسرعان ما يدفعها بالإيمان والعلم واليقين.
 
دلائل اليقين بالله:
(1) عدم صرف الحب والخوف لغير الله:
فإن اليقين بالله له دلائل، وهذه الدلائل تجدها في نفسك، وتجدها في قلبك؛ ومن أعظمها: أنك لا تمسي ولا وتصبح وفي قلبك أحد أحب إليك من الله، فإذا أمسيت وأصبحت وأخوف ما يكون في قلبك هو الله، وأحب ما يكون في قلبك هو الله؛ فاعلم أن الله قد أعطاك اليقين، فلا تمسي ولا تصبح وفي قلبك حب لغير الله أكثر من حبك لله، وتمسي وتصبح وليس في قلبك خوف من أحد إلا الله جل وعلا.
لذلك ما انصرفت شُعبة من شُعب المحبة والخوف إلى أحدٍ غير الله إلا نقصَ يقينُ الإنسان، ولذلك قد يصيبك اللهُ عز وجل ببليةٍ لا قدَّر الله، فتُصاب في نفسك، فتضيق عليك الأرضُ بما رحبت، حتى إذا بلغ بك الأمرُ غايته فاعلم أن اليقين عند الضيق؛ ولذلك كان يقول بعضُ العلماء: (كلما اشتدَّ البلاءُ كان اليقينُ أكملَ في الإنسانِ، وكان الفرجُ قريبًا).
قد ذكر اللهُ في ذلك قصتين؛ القصة الأولى: الثلاثة الذين خُلِّفُوا، فقال سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 118]، وهذا من بلاغة القرآن: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} [التوبة: 118].
لأن الإنسان قد تكون نفسه ضيقة ولكن الأرض واسعة عليه، وقد تكون الأرض ضيقة عليه ولكن نفسه واسعة، فقد تجد أعداءه كثيرين، أو تجد البلايا تحيط به في أمواله وأهله وأولاده، ولكن نفسه منشرحة وقلبه متسع ويقينه بالله عظيم، فهذا ضيق الخارج، ولكنه منشرح الداخل، وقد يكون ضيقًا في داخله موسعًا في خارجه، فتجده من أغنى الناس ولكن في داخل قلبه من الأمراض النفسية والضيق والكبت والهمِّ ما لا يعلمه إلا اللهُ عز وجل، نسأل الله السلامةَ والعافية.
إذًا؛ الضيق إما من الخارج وإما من الداخل، فاللهُ أشار إلى هؤلاء الثلاثة جاءهم الضيق من الناحيتين: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ}، لكن: {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ}، لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، فجاءهم الفرج.
فكلما اشتدت عليك المصائبُ وأحاطت بك الديونُ والغمومُ والهمومُ فاعلم أن اللهَ قريبٌ منك، ولذلك انظر إلى الكفار عبدة الأصنام يعبدون غيرَ الله عز وجل ويستغيثون ويستجيرون بغيره، فإذا أصابهم الضرُّ قالوا: "لا إله إلا الله"؛ فكشف عنهم وفرَّج اللهُ كربهم.
فكلما قوي يقينُ الإنسان واشتدت عليه المصائبُ والمصاعبُ والمتاعبُ فليعلم أن الفرج قريب، فنسألُ اللهَ العظيم رب العرش الكريم أن يعمِّر قلوبنا وقلوبكم باليقين به، وأن يجعلنا وإياكم من أهل اليقين الذين أوجب لهم درجات النعيم.
 (2) جعل الإنسان الآخرة نصب عينيه:
الدليلُ الثاني على دلائل اليقين هو أن يجعل الإنسانُ الآخرةَ نُصب عينيه، فكما أن اليقين يكون بالفرج، يكون كذلك بيقينِ الإنسان أنه إلى اللهِ صائر، وأنه مُنْقَلِبٌ بين الجنادل في الحفائر، وكان الصحابةُ y يحرِّكون القلوب باليقين بالآخرة، ولقد ذكر الله عز وجل في كتابه أن من أيقن بالآخرة صحَّت عبادتُه وكملت زهادتُه؛ فقال جل ذكره: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:45-46].
(3) التعلق بغير الله ينافي اليقين:
الكلمة الأخيرة عن اليقين كلمةٌ تقطعُ قلوبَ المؤمنين، كلمةٌ تدل على بعدنا عن الله وطول غربتنا عن داعي الله وجهلنا بعظمة الله عز وجل، فكَم من أناس بيننا إذا نزلت بهم الشدائدُ وأحاطت بهم الهمومُ والغمومُ تعلقوا بغيرِ الله والعياذ بالله؟!
وكم من أناسٍ بيننا يقولون: "لا إله إلا الله"؛ ولكن يعظِّمون الأسباب ويحبونها أشد من حبهم لله؟! فكم من مريض أصابه المرض ظنَّ أن طبيبه يداويه وأنه يعافيه ويشفيه، فنقص الإيمانُ من قلبه على قدر ما فات من يقينه؟! وكم من مديونٍ ظنَّ أن عبدًا يفكُّ دينه ويقضي حاجته فخيَّب الله ظنه وقطع رجاءه، فأصبح فقيرًا صفر اليدين من اليقين به جل جلاله؟!
لذلك؛ لا يليق بالإنسان أن يُعَلِّقَ رجاءه بغير الله، والله تبارك وتعالى إذا امتحن الإنسانَ باليقين فتعلَّق بغير الله، فإن الله تبارك وتعالى يمكر به، ومن مواطن المكر بالإنسان أن يصرفَ قلبَه لغيرِ الله عز وجل، ولذلك تجد بعض من يستعين بالسحرة وبالمشعوذين - والعياذ بالله - يمهلهم اللهُ جل جلاله، ويستدرجهم بتفريج الخطوب والكروب حتى يأخذهم أَخْذَ عزيزٍ مقتدرٍ.
واللهِ، ثم إنه واللهِ، إذا أراد اللهُ بك الضر فلن ينجيك منه أحدٌ سواه!! ولذلك استحبَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لكل مؤمنٍ إذا وضع خده ليُسْلِمَ نفسه للموتة الصغرى أن يقول الدعاء المأثور: ((اللهمَّ إنِّي أسلمتُ نفسي إليك، وألجأتُ ظهري إليك، وفوضتُ أمري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأَ ولا منجى منك إلا إليك))([1]).
فلا يظن الإنسانُ أن أحدًا ينجيه من الله عز وجل، ولذلك أول ما يفكر فيه الإنسان إذا نزلت به المصيبةُ أو حلَّت به بليةٌ أن يتجه إلى الله وحده لا شريك له.
وقف إبراهيمُ صلى الله عليه وسلم مع تلك المرأة الضعيفة، مع صبيٍّ ضعيفٍ في وادٍ - أمره اللهُ بالهجرة إليه - غير ذي زرع، لا أنيس به ولا جليس، فكان صلى الله عليه وسلم مستجيبًا لأمر ربه، مُسَلِّمًا لخالقه كما وصفه اللهُ في كتابه، فجاءته تلك المرأةُ الضعيفةُ وتعلَّقت به بعد أن حطَّ رحالها وتركها وصبيها، فقالت: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟! فأعرض عنها صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: أنت تعلمين لمن أدعك ...
فمضى إلى الوادي، فجرت وراءه وقالت: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟! فنظر إليها ثم أعرض عنها، ثم في المرة الثالثة، تعلَّقت به وقالت: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟ فقال: لله، قالت: إذًا لا يخيبنا اللهُ، فوقع ما وقع لها ولصبيها فاستغاثت باللهِ عز وجل واستجارت في شربة ماءٍ لها ولطفلها، ففجَّر اللهُ عز وجل الماء من تحت قدم صبيها، فمن أيقن باللهِ عز وجل في أي شدة أو أي خطب فإن الله لا يضيعه.
 

الهوامش:
([1]) رواه البخاري، (6313).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أنواع ودلائل اليقين بالله doc
أنواع ودلائل اليقين بالله pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى