إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد، فمن الصلوات المبتدعة التي اخترعها الصوفية،والتي ذكرت في كتاب (نهاية الزين في إرشاد المبتدئين) صلاة ركعتين، للأنس في القبر، مستدلًا على مشروعيتها عنده بحديث موضوع لا حجة في مثله البتة!! ويسميها البعض (صلاة ليلة الدفن).
ومرادهم: صلاة تصلى في الليلة التي دفن فيها الميت، يهدى ثوابها له.
قال في (نهاية الزين): روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يأتي على الميت أشد من الليلة الأولى، فارحموا بالصدقة من يموت، فمن لم يجد فليصل ركعتين يقرأ فيهما – أي في كل ركعة منهما – فاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسي مرة، و {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } [التكاثر: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1]
عشر مرات، ويقول بعد السلام: اللهم إني صليت هذه الصلاة، وتعلم ما أريد، اللهم ابعث ثوابها إلى قبر فلان ابن فلان، فيبعث الله من ساعته إلى قبره ألف ملك مع كل ملك نور وهدية يؤنسونه إلى يوم ينفخ في الصور".
وفي الحديث: أن فاعل ذلك له ثواب جسيم، منه: أنه لا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه في الجنة! قال بعضهم: فطوبى لعبد واظب على هذه الصلاة كل ليلة، وأهدى لكل ميت من المسلمين!![1].
هكذا ذكر الحديث في هذا الكتاب المشحون بالموضوعات والمخالفات العقدية! بمجرد الحكاية، دون إسناد يمكن دراسته على الأصول الحديثية.
لقد صدق عبد الله بن المبارك رحمه الله حيث قال: لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، كما في "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي (ص393).
وممن صنفها من البدع الشيخ الألباني في (أحكام الجنائز)[2].
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن الحديث المذكور؟ فأجابت على الفتوى رقم (2090) بما نصه: "لا شك أن الحديث المذكور في السؤال من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الصدقة والصلاة بالكيفية المذكورة في هذا الحديث الموضوع لا أصل لهما، ولا يشرع للمسلم أن يصلي عن أحد لا في أول ليلة يدفن فيها الميت ولا في غيرها، أما الصدقة فمشروعة عن الميت المسلم متى شاء أقاربه أو غيرهم الصدقة عنه؛ لما ثبت من الحديث الصحيح، «أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم»[3]، ولم يخص ليلة الدفن ولا غيرها، وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على أن الميت المسلم ينتفع بالصدقة عنه والدعاء له، أما المؤلف لكتاب (المختار ومطالع الأنوار) فلا نعرفه، ولم نقف على كتابه المذكور، ولكن ما نقلتم عنه يدل على أنه ليس من أهل العلم المعتبرين، فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين المزيد من العلم النافع والعمل الصالح."[4]
هذا مجمل ما يمكن أن يكون سببا في حصول الأنس للعبد في قبره، أما ما عدا ذلك من إحداث ما ليس في الشريعة مما تمليه العواطف الجاهلة والآراء الفاسدة فليس من الدين، بل من البدع المنكرة التي تصدى لها علماء الشريعة، كما يقول الشاطبي في "الموافقات": وكذلك جعل الله العظيم بيان السنة عن البدعة ناسًا من عبيده، بحثوا عن أغراض الشريعة كتابًا وسنة، وعما كان عليه السلف الصالحون، وداوم عليه الصحابة والتابعون، وردوا على أهل البدع والأهواء، حتى تميز أتباع الحق عن أتباع الهوى.[5]
الهوامش:
[1] نهاية الزين، 1/109.
[2] أحكام الجنائز، ص256.
[3] صحيح البخاري الجنائز (1388) ، صحيح مسلم الزكاة (1004) ، سنن النسائي الوصايا (3649) ، سنن أبو داود الوصايا (2881) ، سنن ابن ماجه الوصايا (2717) ، مسند أحمد بن حنبل (6/51) ، موطأ مالك الأقضية (1490)
[4] فتاوى اللجنة، 9/61.
[5] الموافقات، 2/94.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.