إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فمما أحدثه المتصوفة وهي صلاة مخصوصة مقيدة بهيئة معينة وبوقت محدد؛ لاستجداء نور القلب من الله تعالى!! ذكرها اللكنوي أيضًا عن بعض المتصوفة.
وهي عبارة عن ركعتين يصليهما بين العشائين، في الأولى يقرأ بعد الفاتحة سورة البروج، وفي الثانية والطارق، ويقول بعدما يسلم: يا حي يا قيوم، يا نور السماوات والأرض، أسألك أن تصلي على محمد، وأن تنور قلبي بنور هدايتك.[1]
ولا يخفى أن الأصل في أداء العبادة التوقيف، ولم يرد في تلك الصلاة المخصوصة دليل يمكن أن يستدل به على شرعيتها، فتبقى على أصل: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"[2].
والمردود في تلك الصلاة إنما هو تقييدها – كما تقدم – لا الصلاة المطلقة أو المقيدة بدليل، كالسنن الرواتب، والوتر، والتراويح، وسنة الضحى، ونحوها.
نعم إن مطلق الصلاة يجلب النور للعبد في حياته، وبرزخه، ويوم حشره.
وبذلك جاءت النصوص الشرعية.
أخرج مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبايع نفسه فمعتقها، أو موبقها".
قال النووي: "وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّلَاةُ نُورٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْمَعَاصِي وَتَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ كَمَا أَنَّ النُّورَ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ أَجْرُهَا نُورًا لِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِإِشْرَاقِ أَنْوَارِ الْمَعَارِفِ وَانْشِرَاحِ الْقَلْبِ وَمُكَاشَفَاتِ الْحَقَائِقِ لِفَرَاغِ الْقَلْبِ فِيهَا وَإِقْبَالِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة} وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ نُورًا ظَاهِرًا عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِهِ الْبَهَاءُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ".[3]
وقال ابن رجب: "فَالصَّلَاةُ نُورٌ مُطْلَقٌ، وَيُرْوَى بِإِسْنَادَيْنِ فِيهِمَا نَظَرٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «الصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ» "، فَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا نُورٌ فِي قُلُوبِهِمْ وَبَصَائِرِهِمْ، تُشْرِقُ بِهَا قُلُوبُهُمْ، وَتَسْتَنِيرُ بَصَائِرُهُمْ وَلِهَذَا كَانَتْ قُرَّةَ عَيْنِ الْمُتَّقِينَ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» " خَرَّجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ[4].
قال: وهي نور للمؤمنين، ولاسيما صلاة الليل، كما قال أبو الدرداء: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور.
قال: وهي في الآخرة نور للمؤمنين في ظلمات القيامة وعلى الصراط، فإن الأنوار تقسم لهم على حسب أعمالهم، وفي "المسند" و"صحيح ابن حبان" عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة فقال: "من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة"[5].
وخرج الطبراني بإسناد فيه نظر من حديث ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصلوات الخمس في جماعة، جاز على الصراط كالبرق اللامع في أول زمرة من السابقين، وجاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر". انتهى[6].
الهوامش:
[1] الآثار المرفوعة، ص 106.
[2] أخرجه مسلم، 223.
[3] شرح النووي على صحيح مسل، 3/101.
[4] أخرجه أحمد، 21/ 433، 14037.
[5] أخرجه أحمد في مسنده، 11/141، 6576.
[6] جامع العلوم والحكم، 2/21- 23.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.