صلاة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني

صلاة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني






إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ ظن كثير من مبتدعة الصوفية ونحوهم أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام لا تحصل إلا بالاكتساب والرياضة على الطريقة الصوفية المقيتة! فمتى حافظ العبد – عندهم – على صلوات أو أذكار وأراد معينة حصلت له الرؤية.
فتكلفوا لذلك ووضعوا له أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ترغيبًا لتحصيلها، فأصبح الجهال يتهافتون لذلك؛ بغية الظفر برؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ولو بطرق مخالفة لهديه.
ومن تلك الصلوات المستحدثة [1] ما وضعوه من أحاديث لصلاة ركعتين ليلة الجمعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة، وسورة الإخلاص خمسًا وعشرين مرة، ويقول في آخر صلاته ألف مرة: اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي.
فإنه من فعل ذلك – عندهم – رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ولا تتم له الجمعة الأخرى إلا وقد رآه[2]!!
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح وفيه جماعة مجهولون.[3]
وجعلوا جزاء من يراه الجنة، وأنه يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.[4]
وصفة أخرى عندهم – كذبًا – عن الزهري أنه قال: من اغتسل ليلة الجمعة وصلى ركعتين فقرأ فيهما ألف مرة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثم نام على طهر رأي النبي صلى الله عليه وسلم في المنام[5].
وذكر ابن القيم أنه لا يصح في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[6].
فانظر كيف يفعل الجهل والهوى بأهله! نعوذ بالله من الخذلان.
إن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام منحة من الله تعالى لا يمكن أن تتأتى بالاكتساب، لا بذكر ولا بعمل مخصوص يفعله العبد، إنما تحصل للعبد كبقية الرؤى.
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأنى في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي"[7].
وغاية ما يدل عليه هذا الحديث: أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه على صورته المعروفة الواردة في الأحاديث الصحيحة فإن رؤياه حق ليست باطلة، لا من الأضغاث ولا من تشبيهات الشيطان؛ لأنه لا يستطيع أن يصير مرئيًا في صورته عليه الصلاة والسلام؛ تنزيها وحماية من الرحمن لرسوله صلى الله عليه وسلم.
والشيطان وإن أمكنه  الله من التصور في أي صورة أراد، إلا أنه لم يمكنه من التصور في صورة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن حجر رحمه الله عن الطيبي قوله: اتحد في هذا الخبر الشرط والجزاء؛ فدل على التناهي في المبالغة، أي: من رأني فقد رأى حقيقتي على كمالها بغير شبهة ولا ارتياب فيما رأى، بل هي رؤيا كاملة.[8]
كما ذكر ابن حجر أيضًا أنه إن رؤي على صورته الظاهرة فإن ذلك لا يحتاج إلى تعبير، وإن رؤي على غير صورته الظاهرة كان النقص من جهة الرائي، لتخيله الصفة على غير ما هي عليه، ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير.
قال رحمه الله: وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا: إذا قال الجاهل: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم. فإنه يسأله عن صفته؟ فإن وافق الصفة المروية وإلا فلا يقبل منه.
وأشاروا إلى ما إذا رأه على هيئة تخالف هيئته مع أن الصورة كما هي، فقال أبو سعد أحمد بن محمد بن نصر: من رأى نبيًا على حاله وهيئته فذلك دليل على صلاح الرائي، وكمال جاهه، وظفره بمن عاداه، ومن رآه متغير الحال عابسًا – مثلا – فذالك دال على سوء حال الرائي.[9]
ومن هنا يتبين أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ليست دليلًا مطردًا على صلاح العبد واستقامته؛ إذ قد يراه من الناس من في دينه خلل أو نقص.
مع أن المؤمن الصادق يتمنى أن يراه ولو في منامه، لشدة شوقه وكمال محبته لنبيه صلى الله عليه وسلم.
وعجبًا لأقوام أخرجوا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم عن الميزان المستقيم والهدي القويم، فانحرفوا بها حتى أصبحت عندهم مصدرًا من مصادر التشريع، يقررون بها الأحكام ويلبسون بها على العوام، ويقدمون ما يورده الشيطان من الأضغاث على ما جاء في الكتاب والسنة من صحيح الأخبار، فتبًا لهم ما أجهلهم.
 
 الهوامش:
[1] انظر: "الفوائد المجموعة" ص 59، وتنزيه الشريعة، 2/96.
[2] انظر: الغنية، 2/351.
[3] الموضوعات، 2/138، وانظر الفوائد المجموعة، ص59.
[4] الذخائر المحمدية، ص 136.
[5] أخرجه الطبراني في الأوسط، 6111، عن محمد بن عكاشة الكرماني يقول: أخبرنا معاوية بن حماد الكرماني عن الزهري، ومحمد بن عكاشة كذاب، انظر "الجرح والتعديل"، 8/52.
[6] فوائد حديثية، ص 115
[7] أخرجه البخاري، (110)، ومسلم (2266)، وأخرجه البخاري، (6994)، من حديث أنس رضي الله عنه.
[8] فتح الباري، 12/405.
[9] المرجع السابق، 12/403

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
صلاة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني doc
صلاة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى