إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فمما أحدثه المتصوفة من الصلوات والتي ذكرها عنهم اللكنوي في كتابه "الآثار المرفوعة" وصنفها الشيخ بكر في عداد البدع المحدثة[1].
وصفتها: أربع ركعات تصلى بعد صلاة الخضر[2]، يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة: يا الله. مائة مرة، وفي الثانية بعد الفاتحة: يا رحمن. مائة مرة. وفي الثالثة: يا رحيم. مائة مرة. وفي الرابعة: يا ودود. مائة مرة[3].
ولا شك أن هذه الصفة والذكر الوارد فهيا من المحدثات المستحسنة عند أهل الطرق الصوفية، كعادتهم في الاعتداء في الأذكار والأدعية! وكان الواجب أن يقتصروا على الدعوات والأذكار المأثورة.
والهدي النبوي لم يرد فيه صلاة بتلك الصفة، أو ذكر بهذه الصيغة، وكل ما ورد فيه من الصلاة إنما هو على الصفة المعروفة المشتهرة عند ناقلي السنة؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتم قراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين من الفريضة أو النافلة قرأ سورة من القرآن غيرها. لم يكن يأت بذكر معين أو صيغة معينة من الألفاظ، كما هو الحال في تلك الصلاة، فتبين أنها من المحدثات المقيتة.
وكأني بهم يريدون بصلاة المحبة استجلاب محبة الله تعالى!! ومحبة الله لا تتأتى لمن خالف أمره، بل لمن اتبع سبيله واهتدى بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31، 32].
قال ابن كثير: "هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ حَاكِمَةٌ عَلَى كُلِّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَتَّى يَتَّبِعَ الشَّرْعَ الْمُحَمَّدِيَّ وَالدِّينَ النَّبَوِيَّ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وأفعاله وَأَحْوَالِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[4] وَلِهَذَا قَالَ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} أَيْ يَحْصُلُ لَكُمْ فَوْقَ مَا طَلَبْتُمْ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ إِيَّاهُ وَهُوَ مَحَبَّتُهُ إِيَّاكُمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا قال بعض العلماء الحكماء: لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبَّ إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُحَبَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ، فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}"[5].
كما أنهم قد أحدثوا لجلب المحبة صلاة بصفة أخرى ذكرها عنهم اللكنوي أيضًا باسم: صلاة الاستحباب.
الهوامش:
الهوامش:
[1] التحديث، ص 74.
[2] من الصلوات المبتدعة وسيأتي ذكره في المقالات التالية في ذلك القسم.
[3] الآثار المرفوعة، ص 109.
[4] صحيح البخاري اعتصام باب 20 وبيوع باب 60 وصلح باب 5 وصحيح مسلم (أقضية حديث 17 و 18) .
[5] تفسير ابن كثير، 1/440، وأثر الحسن أخرجه ابن جرير في تفسيره، 6/323.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.