إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فمما أحدثه المتصوفة[1] من الصلوات يصلونها وقت الإشراق بعد صلاة الاستخارة اليومية.
قال اللكنوي: "صَلَاة الِاسْتِحْبَاب وَهِي رَكْعَتَانِ يُصَلِّيهمَا بعد صَلَاة الاستخارة يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْكَوْثَر وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الْإِخْلَاص وَبعدهَا يسلم يُصَلِّي على النَّبِي ثُمَّ يَقُول اللَّهُمَّ أجعَل حبك أحب الْأَشْيَاء إِلَيّ وخشيتك أخوف الْأَشْيَاء عِنْدِي، اللَّهُمَّ إِذا أَقرَرت عُيُون أهل الدُّنْيَا بدنياهم فاقرر عَيْني بك وبعبادتك واقطع عني لذائذ الدُّنْيَا بأنسك والشوق إِلَى لقائك وَاجعَل طَاعَتك فِي كل شَيْء مني يَا ذَا الْجلَال والأكرم اللَّهُمَّ ارزقني حبك وَحب من أحبك وَحب من يحبك وَحب من يقربنِي إِلَى حبك وَاجعَل حبك أحب إِلَيْنَا من المَاء الْبَارِد للعطشان واسقني شربة من كأس مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام لَا نظمأ بعْدهَا أبدا."[2]
ومنها تسمية هذه الصلاة ووردها يتبين أن مرادهم استجلاب محبة الله تعالى بهذا العمل! وما علموا أن التقرب إلى الله لا يتم قبوله وتحققه إلا بشرطين أثنين؛ أحدهما: الإخلاص، والآخر: المتابعة.
وإذا كانت السنة لم ترد بمشروعية هذه الصلاة ووردها فإنها تكون قد افتقدت شرط المتابعة! فيصدق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".
ثم اعلم أن لجلب محبة الله أسبابًا متى حققها العبد فقد ظفر بعزيز، ونال مجمع الفضائل كلها، وقد ذكر الإمام ابن القيم في "مدارج السالكين" منها عشرة بقوله:
أَحَدُهَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ لِمَعَانِيهِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ، كَتَدَبُّرِ الْكِتَابِ الَّذِي يَحْفَظُهُ الْعَبْدُ وَيَشْرَحُهُ. لِيَتَفَهَّمَ مُرَادَ صَاحِبِهِ مِنْهُ.
الثَّانِي: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ. فَإِنَّهَا تُوَصِّلُهُ إِلَى دَرَجَةِ الْمَحْبُوبِيَّةِ بَعْدَ الْمَحَبَّةِ.
الثَّالِثُ: دَوَامُ ذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ: بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَالْعَمَلِ وَالْحَالِ. فَنَصِيبُهُ مِنَ الْمَحَبَّةِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ.
الرَّابِعُ: إِيثَارُ مَحَابِّهِ عَلَى مَحَابِّكَ عِنْدَ غَلَبَاتِ الْهَوَى، وَالتَّسَنُّمُ إِلَى مَحَابِّهِ، وَإِنْ صَعُبَ الْمُرْتَقَى.
الْخَامِسُ: مُطَالَعَةُ الْقَلْبِ لِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمُشَاهَدَتُهَا وَمَعْرِفَتُهَا. وَتَقَلُّبُهُ فِي رِيَاضِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ وَمَبَادِيهَا. فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ: أَحَبَّهُ لَا مَحَالَةَ. وَلِهَذَا كَانَتِ الْمُعَطِّلَةُ وَالْفِرْعَوْنِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ عَلَى الْقُلُوبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَحْبُوبِ.
السَّادِسُ: مُشَاهَدَةُ بِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَآلَائِهِ، وَنِعَمِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ. فَإِنَّهَا دَاعِيَةٌ إِلَى مَحَبَّتِهِ.
السَّابِعُ: وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِهَا، انْكِسَارُ الْقَلْبِ بِكُلِّيَّتِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ الْأَسْمَاءِ وَالْعِبَارَاتِ.
الثَّامِنُ: الْخَلْوَةُ بِهِ وَقْتَ النُّزُولِ الْإِلَهِيِّ، لِمُنَاجَاتِهِ وَتِلَاوَةِ كَلَامِهِ، وَالْوُقُوفِ بِالْقَلْبِ وَالتَّأَدُّبِ بِأَدَبِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثُمَّ خَتْمِ ذَلِكَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ.
التَّاسِعُ: مُجَالَسَةُ الْمُحِبِّينَ الصَّادِقِينَ، وَالْتِقَاطُ أَطَايِبِ ثَمَرَاتِ كَلَامِهِمْ كَمَا يَنْتَقِي أَطَايِبَ الثَّمَرِ. وَلَا تَتَكَلَّمْ إِلَّا إِذَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَةُ الْكَلَامِ، وَعَلِمْتَ أَنَّ فِيهِ مَزِيدًا لِحَالِكَ، وَمَنْفَعَةً لِغَيْرِكَ.
الْعَاشِرُ: مُبَاعَدَةُ كُلِّ سَبَبٍ يَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَمِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَشْرَةِ: وَصَلَ الْمُحِبُّونَ إِلَى مَنَازِلِ الْمَحَبَّةِ. وَدَخَلُوا عَلَى الْحَبِيبِ. وَمِلَاكُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَمْرَانِ: اسْتِعْدَادُ الرُّوحِ لِهَذَا الشَّأْنِ، وَانْفِتَاحُ عَيْنِ الْبَصِيرَةِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.[3]
الهوامش:
[1] انظر: الحديث، ص 73.
[2] الآثار المرفوعة، ص 104.
[3] مدارج السالكين، 3/17.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.