صلاة الفردوس لرؤية الله تعالى من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني

صلاة الفردوس لرؤية الله تعالى من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني







إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فمما أحدثه المتصوفة من الصلوات ما يسمونها: بـ (صلاة الفردوس لرؤية الله تعالى)، وهي عبارة عن ركعتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]، وفي الثانية: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] خمس مرات، ويقول بعد السلام: اللهم إني أسألك الجنة والرؤية، وأعوذ بك من النار.
وقد ذكرها اللكنوي عنهم مجردة عن الدليل في صلوات عديدة.
بينما ذكر ابن الجوزي في (الموضوعات) حديثًا عن ابن عباس لصفة أخرى لرؤية الله في المنام ونصه: "من صلى يوم الجمعة ما بين الظهر والعصر ركعتين، يقرأ في ألو ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة، وخمسًا وعشرين مرة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، وفي الثانية يقرأ بفاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] خمسًا وعشرين مرة، فإذا سلم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم خمسين مرة، لا يخرج من الدنيا حتى يرى ربه عز وجل في المنام، ويرى مكانه في الجنة، أو ترى له"[1].
وهو حديث موضوع لا يمكن الاعتماد عليه لتشريع عبادة، بل ولا الاستئناس بمثله.
ومن ذلك يتبين لك بدعية تلك الصلاة؛ لمخالفتها الأصل وهو التوقيف في العبادة.
أما بالنسبة لمسألة رؤية الله في المنام فقد تكلم عليها علماء السنة، وقرروا إمكان حصولها للعبد، وذلك حدون إحداث صلاة لتحقيقها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحًا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل، لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق.[2]
وقال البغوي في (شرح السنة): رؤية الله في المنام جائزة.[3]
وقال القاضي عياض في (إكمال المعلم شرح صحيح مسلم): ولم يختلف العلماء في جواز صحة رؤية الله في المنام.[4]
وإتمامًا للفائدة إليك فتوى الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله في المسألة حيث سئل: ما حكم من يدعي أنه قد رأى رب العزة في المنام؟ وهل كما يزعم البعض أن الإمام أحمد بن حنبل قد رأى رب العزة والجلال في المنام أكثر من مائة مرة؟
ج: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وآخرون أنه يمكن أنه يرى الإنسان ربه في المنام، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقة؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الشورى الآية 11]  فليس يشبهه شيء من مخلوقاته، لكن قد يرى في النوم أنه يكلمه ربه، ومهما رأى من الصور فليست هي الله جل وعلا؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، فلا شبيه له ولا كفو له.
وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله في هذا أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي، وكل ما كان الرائي من أصلح الناس وأقربهم إلى الخير كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة، لكن على غير الكيفية التي يراها، أو الصفة التي يراها؛ لأن الأصل الأصيل أن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى.
ويمكن أن يسمع صوتا ويقال له كذا وافعل كذا، ولكن ليس هناك صورة مشخصة يراها تشبه شيئا من المخلوقات؛ لأنه سبحانه ليس له شبيه ولا مثيل سبحانه وتعالى، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه في المنام، من حديث معاذ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه، وجاء في عدة طرق أنه رأى ربه، وأنه سبحانه وتعالى وضع يده بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه، وقد ألف في ذلك الحافظ ابن رجب رسالة سماها: " اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى " وهذا يدل على أن الأنبياء قد يرون ربهم في النوم، فأما رؤية الرب في الدنيا بالعيان فلا.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يرى أحد ربه حتى يموت، أخرجه مسلم في صحيحه. ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال: «رأيت نورا»[5] وفي لفظ «نور أنى أراه»[6] رواهما مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فأخبرت أنه لا يراه أحد في الدنيا؛ لأن رؤية الله في الجنة هي أعلى نعيم المؤمنين، فهي لا تحصل إلا لأهل الجنة ولأهل الإيمان في الدار الآخرة، وهكذا المؤمنون في موقف يوم القيامة، والدنيا دار الابتلاء والامتحان ودار الخبيثين والطيبين، فهي مشتركة فليست محلا للرؤية؛ لأن الرؤية أعظم نعيم للرائي فادخرها الله لعباده المؤمنين في دار الكرامة وفي يوم القيامة.
وأما الرؤيا في النوم التي يدعيها الكثير من الناس فهي تختلف بحسب الرائي - كما قال شيخ الإسلام رحمه الله - بحسب صلاحهم وتقواهم؛ وقد يخيل لبعض الناس أنه رأى ربه وليس كذلك، فإن الشيطان قد يخيل لهم ويوهمهم أنه ربهم، كما روي أنه تخيل لعبد القادر الجيلاني على عرش فوق الماء، وقال أنا ربك وقد وضعت عنك التكاليف، فقال الشيخ عبد القادر: إخسأ يا عدو الله لست بربي؛ لأن أوامر ربي لا تسقط عن المكلفين، أو كما قال رحمه الله.
والمقصود أن رؤية الله عز وجل يقظة لا تحصل في الدنيا لأحد من الناس حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما تقدم في حديث أبي ذر، وكما دل على ذلك قوله سبحانه لموسى عليه الصلاة والسلام لما سأل ربه الرؤية. قال له: {لَنْ تَرَانِي} [سورة الأعراف الآية 143] الآية، لكن قد تحصل الرؤية في المنام للأنبياء وبعض الصالحين على وجه لا يشبه فيها سبحانه الخلق، كما تقدم في حديث معاذ رضي الله عنه، وإذا أمره بشيء يخالف الشرع فهذا علامة أنه لم ير ربه وإنما رأى شيطانا، فلو رآه وقال له: لا تصل قد أسقطت عنك التكاليف، أو قال: ما عليك زكاة أو ما عليك صوم رمضان أو ما عليك بر والديك أو قال لا حرج عليك في أن تأكل الربا. . . فهذه كلها وأشباهها علامات على أنه رأى شيطانا وليس ربه.
أما عن رؤية الإمام أحمد لربه لا أعرف صحتها، وقد قيل: إنه رأى ربه، ولكني لا أعلم صحة ذلك.[7]

الهوامش:
[1] أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، 2/119، من حديث ابن عباس وقال: هذا حديث موضوع، وفيه مجاهيل لا يعرفون، وأقره عليه السيوطي في (اللآلي المصنوعة في الأحاديث المضوعة)، (2/45)، وانظر: الآثار المرفوعة، ص 56.
[2] مجموع الفتاوى، 2/336.
[3] شرح السنة،  2/221.
[4] إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، 7/112.
[5] صحيح مسلم الإيمان (178)
[6] صحيح مسلم الإيمان (178) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (3282) ، مسند أحمد بن حنبل (5/175) .
[7] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ ابن باز، 6/367.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
صلاة الفردوس لرؤية الله تعالى من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني doc
صلاة الفردوس لرؤية الله تعالى من الصلوات المبتدعة المخصوصة لغرض ديني pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى