إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فمن الصلوات المبتدعة التي اخترعها الصوفية (صلاة الفتح) عند بعض المتصوفة[1]؛ لطلب الفتوحات الإلهية والنفحات القدسية، وهي عبارة عن أربع ركعات يصليها بعد (صلاة حفظ الإيمان) يقرأ في الأولى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] ثلاث عشرة، وفي الثانية إحدى عشرة، وفي الثالثة تسع مرات، وفي الرابعة سبع مرات، وبعدما يسلم يصلي على النبي، ويقول ثلاث مرات: يا مُفتح فتَّح، ويا مسبب سبب، يا مفرِّح فرح، يا ميسر يسرن رب إني مغلوب فانتصر.
ثم يقول: إلهي ضاقت المذاهب إلا إليك، وخابت الآمال إلا لديك، وانقطع الرجاء إلا منك، وبطل التوكل إلا عليك، لا ملجأ ولا منجى ولا مفر منك إلا إليك، رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين، ثم يضع يده على الصدر ويقول سبعين مرة: يا فتاح أبواب الآلاء والنعماء.[2]
لا يشك عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر في بدعية تلك الصلاة، كيف ولم يوردوا دليلًا – ولو ضعيفًا أو موضوعًا – لشرعيتها! إنما هو الهوى يقود صاحبه فيعمي!! فالعمل بها باطل، واستجداء الفتح من الله بالعمل الباطل محال.
والذي ينبغي للعبد الموفق إذا نزلت به النازلة أو حلت به الضائقة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي إلى علام الغيوب، وهادي القلوب، لأن يلهمه الصواب ويفتح له طريق السداد، ويدله على الصراط المستقيم الذي شرعه لعباده المتقين. وليبادر إلى التوبة والاستغفار. والإكثار من ذكر الله.
فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق، وما أجدر من أمل فضل ربه أن لا يحرمه إياه، فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشري التوفيق، وأبواب الفتح المبين.
والمنهل السليم من منبع الهدى ومعدن الصواب ومطلع الرشد؛ نصوص القرآن والسنة وآثار الصحابة، وهذا هو دأب الصالحين من عباد الله السالكين طريق الهدى.
قال ابن القيم رحمه الله: شهدت شيخ الإسلام – قدس الله روحه – إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته!!
فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وفق هذا الافتقار علمًا وحالًا، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أعطى حظه من التوفيق، ومن حرمه، فقد منع الطريق والرفيق.
فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق، فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.[3]
[1] وهي غير صلاة الفتح التس استحبها كثير من العلماء؛ استدلالا لها بحديث أم هانيء وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها عند فتح مكة.
قال ابن القيم: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل، وصلى ثمان ركعات في بيتها، وكانت ضحى، فظنها من ظنها صلاة الضحى، وإنما هذه صلاة الفتح، وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حصنًا أو بلدًأ، صلو عقيب الفتح هذه الصلاة، اقتداء برسول الله؛ وفي القصة ما يدل على أنها سبب الفتح، شكرًا لله عليه، فإنها قالت: ما رأيته صلاها قبلها ولا بعدها.
"زاد المعاد، 3/410".
[2] الآثار المرفوعة، ص 106.
[3] إعلام الموقعين، 4/172.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.