الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ فإن موالاة المؤمنين معاداة الكافرين أوثق عرى الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله"[1].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل، فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهما قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع، فقلت: يا رسول الله، ابسط يدك حتى أبايعك، واشترط علي، فأنت أعلم، قال: «أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين"[2].
وأصل الموالاة هي المحبة، وأصل المعاداة البغض، فالموالاة والمعاداة أمران ظاهران ناشئان عن الحب والبغض، والموالاة لا تكون إلا لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين، حيث قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]
وقد أثنى الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، لأجل موالاتهم المؤمنين، ومعاداتهم الكافرين، فقال سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] كلما زادت موالاة العبد لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين زادات معاداته للكافرين.
إن موالاة الكافرين لها صور متعددة، وأحوال متنوعة، فمنها ما ينقض التوحيد ويوجب الكفر الأكبر، ومنها معاص لا تخرج صاحبها عن دائرة الإسلام، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
أولًا: التشبه بالكفار:
إن مخالفة الكافرين وعدم التشبه بهم أمر مقصود في دين الله تعالى، لا سيما وأن التشبه بالكفار في الأمور الظاهرة مما هو من خصائصهم يؤول ويوقع في التشبه بأخلاقهم وأفكارهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم"[3].
والتشبه بالكفار أنواع:
- فإن كان تشبهًا مطلقًا تامًا بحيث يكون تشبهًا في كل شيء فإنه كفر أكبر، وكذا لو تشبه بهم فيما يوجب الكفر مثل أن يلبس الصليب تعبدًا وذلك أن النصارى يلبسون الصليب اعتقادًا منهم أن المسيح عليه السلام قتل مصلوبًا، ففي ذلك تكذيب لقوله: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157]
- وقد يكون التشبه بالكفار محرمًا لا يخرج عن الملة مثل تبرج النساء والفخر بالأحساب، قال تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]، وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة"[4].
- ومن أشد حالات التشبه بالكفار: مشاركة الكفار في أعيادهم، فإن ذلك من أعظمها شرًا وضررًا، وأكثرها انتشارًا بين المسلمين، وهذه المشاركة محرمة لما فيها من الموافقة لهم فيما ليس من ديننا، كما أن تلك الأعياد من البدع المحدثة، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين فوصفهم بقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72]، قال بعض السلف: الزور؛ أعياد المشركين.
ثانيًا: مظاهرة الكفار على المسلمين:
والمقصود بها ان يكون مناصرًا ومظاهرًا للكفار ضد المسلمين، فينضم إليهم ويذب عنهم بالمال واللسان وغيرها، فهذا كفر أكبر يخرج من الملة، بدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]
فبين الله تعالى أن من فعل ذلك فهو منهم أي من أهل ملتهم، فله حكمهم، كما أن تلك المظاهرة كفر نفاق وخصلة من خصال المنافقين كما جاء في مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر: 11]
الهوامش:
[1] أخرجه الحاكم وحسنه الألباني,
[2] أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي وصححه الألباني.
[3] أخرجه أحمد وأبو داود وجود ابن تيمية إسناده.
[4] أخرجه الترمذي، حديث رقم: (1001).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.