الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ إن على من تعلم التوحيد، أن يهتم بالتعرف على ما يناقض هذا التوحيد ويهدمه، أو ينافيه وينقصه من أنواع الانحراف عن عقيدة التوحيد، وذلك لأمور منها:
- لئلا يقع في شيء مما يناقض التوحيد.
- استبانة سبيل الزائغين عن توحيد الله تعالى، مخافة سلوك طريقهم، قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55]
- دعوة ومناصحة من وقع في مثل هذه الأنواع من الانحراف، لأن منهم من هو جاهل بالحكم، ومنهم من أسلم حديثًا، ومنهم من لم يبلغه الحكم، والشخص الذي قارف الكفر أو الشرك لا يحكم بكفره مطلقًا حتى تجتمع فيه الشروط وتنتفي الموانع، فمن تلك الشروط، قيام الحجة على من تلبس بالكفر أو الشرك، بأن تبلغه دعوة التوحيد وما يضادها، فلا يكفر الشخص إلا إذا كانت الحجج الشرعية قد بلغته، كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]
معنى الكفر وأقسامة:
المراد بالكفر لغة: الستر والتغطية.
وأما معنى الكفر شرعًا فهو على نوعين:
- الكفر الأكبر: وهو عدم الإيمان، سواء كان تكذيبًا، أو شكًا وظنًا، أو إباء واستكبارًا، أو نفاقًا، أو إعراضًا، وتفصيله على ما يلي:
o كفر التكذيب هو المذكور في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 68]
o كفر الشك والظن كما جاء في قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 35 - 38]
o كفر الإباء والاستكبار في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34]
o كفر الإعراض في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]
o كفر النفاق في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 1 - 3]
- الكفر الأصغر: وهو الذنوب التي ورد تسميتها في الكتاب والسنة كفرًا ولم تصل إلى حد الكفر الأكبر المخرج من الملة، مثل قتال المسلم، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"[1].
الهوامش:
[1] رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، رقم الحديث: (48).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.