محبة المؤمنين

محبة المؤمنين





الحبُّ في اللهِ جالبٌ لحلاوةِ الإيمانِ

من مقتضيات محبة الله سبحانه: محبة أهل طاعته؛ كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده، فمحبة ما يحبُّه اللهُ ومن يحبه اللهُ من كمال الإيمان، ومن أحبَّ اللهَ تعالى أحبَّ فيه ووالى أولياءه وعادى أهلَ معصيته وأبغضهم، وجاهد أعداءه ونصر أنصاره، وكلما قويت محبةُ العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها، وبكمالها يكمل توحيد العبد.

إن الحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله، هي أوثق عرى الإيمان، وأحب الأعمال إلى الله تعالى، والمرء مع من أحب يوم القيامة كما وردت السنةُ بذلك، وإنما صار ذلك أوثق عُرى الإيمان لأنه من أصح علامات وجوده في القلب، وبقدر قوته وضعفه تكون قوة الحب في الله والبغض فيه.

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: (مَا تَحَابَّ رَجُلَانِ فِي اللَّهِ عز وجل إِلَّا كَانَ أَفْضَلُهُمَا أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ)[1]، وإنما صار الأشد محبةً هو الأفضل؛ لأنه أفضل في الإيمان الذي تفرعت منه هذه المحبة، وقد قيل في المحبة في الله أنه لا يزيدها البرُّ ولا ينقصها الجفاءُ.

وكثيرًا ما أمر اللهُ في كتابه العظيم بموالاة المؤمنين ومحبتهم؛ فقال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55، 56].

وقال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62، 63]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 9، 10].

واستفاضت الأحاديثُ النبوية في بيان فضل الحب في الله والمؤاخاة بين المؤمنين.


الحبُّ في اللهِ جالبٌ لحلاوةِ الإيمانِ:

 فعن أنسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجدَ بهنَّ حلاوة الإيمان: مَن كانَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يكرهَ أن يعودَ في الكفرِ بعد أن أنقذَه اللهُ منه، كما يكرهَ أنْ يُقْذَفَ في النارِ))[2].

يقول المازري - رحمه الله -: (لا تتضحُ محبةُ اللهِ ورسولِه حقيقةً، والحبُّ للغيرِ في اللهِ، وكراهةُ الرجوعِ إلى الكفرِ إلا لمن قويَ بالإيمانِ يقينُه، وانشرحَ له صدرُه، وخالطَ دمَّه ولحمَه، وهذا هو الذي وجدَ حلاوةَ الإيمانِ)[3].

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن أحبَّ - وقال هاشم: مَن سرَّه - أن يجدَ طعمَ الإيمانِ؛ فليُحِبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ عز وجل))[4].

 

الهوامش:

([1]) الزهد، أحمد بن حنبل، ص(379).

([2]) رواه البخاري، (16)، ومسلم، (43)، واللفظ له.

([3]) إكمال المعلم، القاضي عياض، (1/270).

([4]) رواه أحمد في مسنده، (7954)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، (6288).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
محبة المؤمنين.doc doc
محبة المؤمنين.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى