الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛..
1- متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر ونهى:
لم يَدَعْ اللهٌ - تبارك وتعالى - محبتَه ادعاءً بلا دليل، ودعوى يدعيها كلُّ أحد، بل جعل لذلك الحب علامة تدل على صدقه؛ فقال جل شأنه: {قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31].
قال ابن كثير: (هذه الآيةُ الكريمةُ حاكمةٌ على كل من ادَّعى محبةَ اللهِ وليس هو على الطريقةِ المحمديةِ، فإنه كاذبٌ في دعواه في نفسِ الأمرِ حتى يتَّبعَ الشرعَ المحمدي والدينَ النبوي في جميع أقوالِه وأفعالِه وأحوالِه)([1]).
قال ابن القيم: (وَإِذَا كَانَتِ الْمَحَبَّةُ لَهُ هِيَ حَقِيقَةَ عُبُودِيَّتِهِ وَسِرَّهَا، فَهِيَ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِاتِّبَاعِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، فَعِنْدَ اتِّبَاعِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ تَتَبَيَّنُ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَلِهَذَا جَعَلَ تَعَالَى اتِّبَاعَ رَسُولِهِ عَلَمًا عَلَيْهَا، وَشَاهِدًا لِمَنِ ادَّعَاهَا؛ فَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].
فَجَعَلَ اتِّبَاعَ رَسُولِهِ مَشْرُوطًا بِمَحَبَّتِهِمْ لِلَّهِ، وَشَرْطًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُمْ، وَوُجُودُ الْمَشْرُوطِ مُمْتَنِعٌ بِدُونِ وُجُودِ شَرْطِهِ وَتَحَقُّقُهُ بِتَحَقُّقِهِ فَعُلِمَ انْتِفَاءُ الْمَحَبَّةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمُتَابَعَةِ، فَانْتِفَاءُ مَحَبَّتِهِمْ لِلَّهِ لَازِمٌ لِانْتِفَاءِ الْمُتَابَعَةِ لِرَسُولِهِ، وَانْتِفَاءُ الْمُتَابَعَةِ مَلْزُومٌ لِانْتِفَاءِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُمْ، فَيَسْتَحِيلُ إذًا ثُبُوتُ مَحَبَّتِهِمْ لِلَّهِ، وَثُبُوتُ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُمْ بِدُونِ الْمُتَابَعَةِ لِرَسُولِهِ.
وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُتَابَعَةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم هِيَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَطَاعَةُ أَمْرِهِ، وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي الْعُبُودِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَى الْعَبْدِ مِمَّا سِوَاهُمَا، فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَتَى كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُمَا فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْبَتَّةَ، وَلَا يَهْدِيهِ اللَّه)([2]).
قال ابن عاشور: (قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]؛ فَذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّ اتِّبَاعَ الشَّرِيعَةِ يُوجِبُ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَأَنَّ الْمُحِبَّ يَوَدُّ أَنْ يُحِبَّهُ حَبِيبُهُ كَمَا قَالَ الْمُتَنَبِّي:
أَنْتَ الْحَبِيبُ وَلَكِنِّي أَعُوذُ بِهِ *** مِنْ أَنْ أَكُونَ مُحِبًّا غَيْرَ مَحْبُوبِ
وَإِلَى هَذَا النَّوْعِ تَرْجِعُ عِبَادَةُ أَكْثَرِ الْأُمَمِ، وَمِنْهَا الْعِبَادَةُ الْمَشْرُوعَةُ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ عِبَادَةُ الْمُشْرِكِينَ أَصْنَامَهُمْ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 165]، وَمِنَ الْأُمَمِ مَنْ عَبَدَتْ عَنْ خَوْفٍ دُونَ مَحَبَّةٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِاتِّقَاءِ شَرٍّ، كَمَا عَبَدَتْ بَعْضُ الْأُمَمِ الشَّيَاطِينَ)([3]).
وقال السعدي: (وهذه الآيةُ فيها وجوبُ محبةِ اللهِ، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها، فقال {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ}؛ أي: ادعيتم هذه المرتبةَ العاليةَ، والرتبةَ التي ليس فوقها رتبة، فلا يكفي فيها مجردُ الدعوى، بل لابد من الصدقِ فيها، وعلامةُ الصدقِ اتباعُ رسولِه صلى الله عليه وسلم في جميعِ أحوالِه، في أقوالِه وأفعالِه، في أصولِ الدين وفروعِه، في الظاهرِ والباطنِ.
فمن اتبعَ الرسولَ دلَّ على صدقَ دعواه محبة الله تعالى، وأحبه اللهُ وغفرَ له ذنبَه، ورحمَه وسدَّدَه في جميعِ حركاتِه وسكناتِه، ومن لم يتبعْ الرسولَ فليس محبًّا للهِ تعالى، لأن محبته للهِ توجبُ له اتباع رسولِه، فما لم يوجد ذلك دلَّ على عدمَها وأنه كاذبٌ إن ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غيرُ نافعةٍ بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسبِ حظِّهم من اتباعِ الرسولِ يكون إيمانهم وحبهم للهِ، وما نقصَ من ذلك نقص)([4]).
(إن حبَّ اللهِ ليس دعوى باللسان، ولا هيامًا بالوجدان، إلا أن يصاحبَه الاتباعُ لرسولِ اللهِ، والسير على هداه، وتحقيق منهجه في الحياة ... وإن الإيمانَ ليس كلمات تُقال، ولا مشاعر تجيش، ولا شعائر تُقام، ولكنه طاعة للهِ والرسولِ، وعمل بمنهجِ اللهِ الذي يحمله الرسولُ)([5]).
ومن ادَّعى محبة الله، وخالف ما جاء به رسولُ الله، فإنه يقع في الضلال البعيد، ومن باب المحبة دخل الشيطانُ على أوليائه، وعبدوا اللهَ بأهوائهم، وزين لهم الشيطانُ سوءَ أعمالهم؛ لبعدهم عن متابعة ما جاء به الرسولُ، ومن هذا القبيل كانت فرقٌ ضالةٌ، كالحبية والخوفية، قال ابن الجوزي - رحمه الله -: (وانقسمت الجبريةُ اثنتي عشرة فرقة؛ فمنهم المضطربة ... والحبية: قالوا من شَرِبَ كأسَ محبةِ اللهِ عز وجل سقطت عنه الأركانُ والقيامُ بها، والخوفية: قالوا إنَّ من أحبَّ اللهَ عز وجل لم يسعْه أن يخافه؛ لأن الحبيبَ لا يخافُ حبيبَه)([6]).
ولو صدقوا في محبتهم لاتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أعظم الناس محبةً لله، ولم تسقط عنه الأركان، وإنما أقامها أتم قيام بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم، ومحبته لمولاه وخالقه لم تمنعه من خوف الله، بل كان أخوف الناس وأخشاهم وأتقاهم لله، فقد كان يعبد الله بالحب والخوف والرجاء، ومن عبد الله بأحد هذه الثلاثة دون الأخرى؛ فليس محبًّا ولا ممن اتبع هدي المصطفى، قال ابن تيمية: (قال بعضُ السلف: من عبدَ اللهَ بالحبِّ وحدَه فهو زنديقٌ، ومن عبدَه بالرجاءِ وحده فهو مرجئٌ، ومن عبدَه بالخوفِ وحده فهو حروري، ومن عبدَه بالحبِّ والخوفِ والرجاءِ فهو مؤمنٌ موحدٌ)([7]).
وقد جمع اللهُ تعالى هذه المقامات الثلاثة بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57]، فابتغاء الوسيلة هو محبة التقرب إلى الله لمحبته سبحانه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 35]، قال ابن جرير الطبري - رحمه الله -: (حدَّثني يونس: قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} قال: المحبة تحببوا إلى الله، وقرأ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ})([8]).
ثم ذكر اللهُ بعد المحبةِ الرجاءَ والخوفَ، فهذه طريقة عباده وأوليائه، وربما آل الأمر بمن عبده بالحب المجرد إلى استحلال المحرمات، ويقول: المحب لا يضره ذنبٌ!! فالمحبة دون الخوف من الله منزلقٌ خطيرٌ، لأنه خلاف ما كان عليه الرسول وأصحابه.
يذكر خطرَ ذلك ابنُ القيم قائلًا: (والمحبةُ ما لم تُقْرَنْ بالخوفِ فإنها لا تنفعُ صاحبَها بل قد تضرُّه؛ لأنها توجبُ الإدلالَ والانبساطَ، وربما آلت بكثيرٍ من الجهالِ المغرورين إلى أنهم استغنوا بها عن الواجبات، وقالوا: المقصودُ من العباداتِ إنما هو عبادةُ القلبِ وإقبالُه على اللهِ ومحبتُه له وتألهه له، فإذا حصلَ المقصودُ فالاشتغالُ بالوسيلةِ باطلٌ.
ولقد حدَّثني رجلٌ أنه أنكرَ على رجلٍ من هؤلاء خلوةٌ له تركَ فيها حضورَ الجمعة، فقال له الشيخ: أليس الفقهاءُ يقولون: إذا خافَ على شيءٍ من مالِه فإن الجمعةَ تسقطُ عنه؟ فقال له: بلى، فقال له: فقلبُ المُرِيدِ أعزُّ عليه من ضياعِ عشرة دراهم ... أو كما قال، وهو إذا خرجَ ضاعَ قلبُه، فحفظُه لقلبِه عذرٌ مُسْقِطٌ للجمعةِ في حقِّه، فقال له: هذا غرورٌ، بل الواجبُ عليه الخروج إلى أمرِ اللهِ، وحفظ قلبه مع اللهِ، فالشيخ المربي العارفُ يأمرُ المريدَ بأن يخرجَ إلى الأمرِ ويراعي حفظ قلبه أو كما قال)([9]).
ولو اتَّبَعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ما ترك الجمعة؛ لأن النبي لم يفعله، بل أداء الواجب هو دليل المحبة، وتركه بدعوى المحبة ضلالٌ وبعدٌ عن الحق، وفي منأى عن الصواب، نسألُ اللهَ العلي القدير من فضله وكرمه، أن يرزقنا الاتباع ويجنبنا الابتداع، ويوفقنا إلى متابعة خير هادٍ وداع.
2- إفراد الله بالعبودية، والتحقق بمقامات الإيمان:
يقول ابن أبي العز الحنفي عند شرحه لقول الطحاوي: (ونحبُّ أهلَ العدلِ والأمانةِ، ونبغضُ أهلَ الجورِ والخيانةِ)، وقال - رحمه الله -: (وهذا من كمالِ الإيمانِ وتمامِ العبوديةِ، فإن العبادةَ تتضمنُ كمالَ المحبةِ ونهايتها وكمالَ الذلِّ ونهايته)([10])، وقال ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان: (وكلما تمكَّنَتْ محبةُ اللهِ من القلبِ وقويت فيه أخرجتْ منه تألهَه لما سواه وعبوديته له، ... وقوةُ ذلك وضعفُه وزيادتُه ونقصانُه هو بحسبِ قوةِ الإيمانِ وضعفِه وزيادتِه)([11]).
3 - المبادرة إلى الطاعات واجتناب المعاصي والمنكرات:
قال ابن تيمية: (والمعاصي تنقضُ المحبةَ، وهذا معنى قول الشبلي لما سُئِلَ عن المحبةِ فقال: ما غَنَّتْ به جاريةُ فلان:
تعصي الإلهَ وأنت تزعمُ حبَّه |
هذا محالٌ في القياسِ شنيعُ |
لو كان حبُّك صادقًا لأطعْتَه |
إن المحبَّ لمنْ أَحَبَّ مُطيعُ([12]) |
وإذا وقع العبد في معصية من المعاصي صغيرةٍ أو كبيرةٍ، ثم ندم على ذلك وتاب منها فإن التوبة منه دليل محبته لله تعالى، حتى وإن تكرر منه ذلك، ويدل على ذلك ما ورد في صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضْحِكُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد جلدَه في الشرابِ، فأُتي به يومًا، فأمرَ به فجُلِدَ، فقال رجلٌ من القوم: اللهمَّ العَنْه، ما أكثرَ ما يُؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه، فواللهِ ما علمتُ إلا أنه يحبُّ اللهَ ورسولَه))([13]).
قال ابن حجرٍ - رحمه الله -: (وفيه أن لا تنافي بين ارتكابِ النهي وثبوتِ محبةِ اللهِ ورسولِه في قلبِ المرتكبِ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبرَ بأن المذكور يحبُّ اللهَ ورسولَه مع وجودِ ما صدرَ منه، وأن من تكررت منه المعصيةُ لا تُنْزَعُ منه محبةُ اللهِ ورسولِه، ويؤخذُ منه تأكيد ما تقدَّم، أن نفي الإيمانِ عن شاربِ الخمرِ لا يُرادُ به زوالُه بالكليةِ بل نفيُ كمالِه كما تقدَّم.
ويحتملُ أن يكون استمرارُ ثبوتِ محبةِ اللهِ ورسولِه في قلبِ العاصي مقيدًا بما إذا نَدِمَ على وقوعِ المعصيةِ وأُقِيمَ عليه الحد فكَفَّرَ عنه الذنبَ المذكور، بخلاف من لم يقعْ منه ذلك، فإنه يُخشى عليه بتكرارِ الذنبِ أن يطبعَ على قلبِه شيء، حتى يسلب منه ذلك، نسأل اللهَ العفو والعافية)([14]).
4- محبة من أحبه الله، وبغض من أبغضه الله، وكراهية العودة في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار:
فإن ذلك من أعظم مظاهر محبة الله، قال ابن حجر الهيتمي: (وفيه أيضًا أن محبةَ منْ أحبَّه النبيُّ كآله وأصحابِه y علامةٌ على محبةِ رسولِ اللهِ، كما أن محبته علامةٌ على محبةِ الله تعالى، وكذلك عداوة من عاداهم، وبغضُ من أبغضَهم وسبُّهم علامةٌ على بغضِ رسولِ اللهِ وعدواته وسبِّه، وبغضُه وعداوتُه وسبُّه علامةٌ على بغضِ اللهِ تعالى وعداوتِه وسبِّه، فمن أحبَّ شيئًا أحبَّ من يحب وأبغض من يبغض؛ قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَه} [المجادلة: 22])([15]).
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمانِ: من كانَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ، وأن يكرهَ أن يعودَ في الكفرِ بعد أن أنقذَه اللهُ منه كما يكرهُ أن يُقْذَفَ في النارِ))([16]).
5- الرحمة والشفقة بالمؤمنين، والعزة والشدة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]، قال ابن تيمية: (فهذه ثلاثةُ أصولٍ لأهلِ محبةِ الله: إخلاصُ دينِهم، ومتابعةُ رسولِه، والجهادُ في سبيلِه)([17]).
فمحبته سبحانه أصلُ الإيمان، وبها يتصف أولياءُ الرحمن، ويمتازون عن أولياءِ الشيطان، فهي دافعٌ للعمل، والعمل بدون محبته سبحانه نفاقٌ ورياء، نسأل من الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته، ويزين في قلوبنا محبته، إنه هو العزيز الوهاب.
الهوامش:
([7]) رسالة العبودية، ابن تيمية، ص(37)، مجموع الفتاوى، له، (10/ 81)، (10/ 207)، (11/ 390)، الفتاوى الكبرى، له، (5/ 57)، (5/ 196).
([9]) بدائع الفوائد، ابن القيم، (3/ 522)، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1416هـ - 1996م.
([10]) شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، (1/ 383)، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1391هـ.
([15]) الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، ابن حجر الهيتمي، (2/ 620)، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1997م.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.