الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد، فالغلو هو: (هو مجاوزةُ الحدِّ بأنْ يُزادَ في الشيءِ في حمدِه أو ذمِّه على ما يستحق)[1].
لقد بيَّن اللهُ عز وجل حقيقةَ خليلِه ورسولِه محمد صلى الله عليه وسلم بيانًا شافيًا كاملًا، وهي أنه بشر كغيره من البشر، لا يملك لنفسِه ولا لغيرِه ضرًّا ولا نفعًا، ولا يَعْلَمُ إلا ما عَلَّمَه ربُّه سبحانه وتعالى فيما يوحيه إليه، وقد فضَّله عز وجل على غيره من الأنبياء والرسل، فجعله خاتمهم وأفضلهم وسيدهم، وجعل شريعته دستورًا لحياة الخلق ناسخةً لما عداها.
قال سبحانه وتعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50].
وقال تعالى أيضًا: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188].
وقال تعالى أيضًا: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
فهو صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ من عباد اللهِ لا يملك خزائنَ الله، ولا يعلم الغيب، لأن هذا بيدِ اللهِ وحده، وما يخبر عنه صلى الله عليه وسلم من المغيبات فإنما هو وحيٌ أوحاه اللهُ إليه؛ لأنه سبحانه اخْتُصَّ بعلم الغيب، قال سبحانه: {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} [يونس: 20]، وقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59].
وهو صلى الله عليه وسلم مع علوِّ منزلته عند ربه وتفضيله عز وجل له على سائر الخلق، ومع ما أعطاه سبحانه له من المعجزات والخصال والمزايا التي فضَّله بها على غيره من البشر، ومع مغفرته له عز وجل لذنبه ما تقدم منه وما تأخر، مع هذا كله فإنه صلى الله عليه وسلم كان سيد الموحدين لربه، وإمام المتوكلين عليه، والمتواضعين له عز وجل.
وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا كل الحرص على حماية جناب التوحيد من أن تخدشه أيةُ شائبة من شِرْكٍ ونحوه، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على أمته من أن ينزلقوا في متاهات الضلال وحبائل الشرك والشيطان، لذلك بيَّن لهم التوحيد أيما بيان، وأمرهم بتحقيقه، وحذَّرهم مما يضاده أو ينافي كماله من الشرك والكفر والعصيان كل التحذير، ونصحهم أيما نصح.
وقد خاف عليهم من الوقوع فيما وقع فيه غيرُهم ممن سبقهم من الأمم في الضلال، من الغلو بأنبيائهم وصالحيهم ووجهائهم، كيف وقد نَزَلَ عليه قولُ الله عز وجل في ذمِّ تلك الأمم الضالة، ولمَّا قال له صلى الله عليه وسلم رجلُ: (ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ)؛ أَنْكَرَ ذلك عليه وغَضِبَ، وقال: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ ندَّ؟!ا بَلْ ما شاءَ اللهُ وحده))[2].
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو فيه بأي صورة من الصور، حتى ولو كان ذلك بمدحه، لأن ذلك تشبُّه بالضالين، ومدعاة للخروج عن جناب التوحيد، وقد يكون وسيلة للوقوع في مزالق الشرك - والعياذ بالله -، فقد قال الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم: ((لا تطْرُونِي كما أَطْرَتْ النَّصَارَى المسيحَ ابن مريم، فإنَّما أنا عبدٌ، فقولوا عبدُ اللهِ ورسولِه))[3].
والإطراء كما هو معروف في اللغة المبالغة في الشيء بالمدح، لأن محبته صلى الله عليه وسلم لا تحصل للعبد بمجرد مدحه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو التغني به والغلو في ذلك، ولا بالاحتفال بمولده، ولا بوصفه بما هو من صفات الله وحقه وحده، كما يفعل ذلك الضالون المُضِلُّون؛ كقول بعضهم[4] في مدحه صلى الله عليه وسلم:
فَإِنَّ مِنْ جُودِك الدنيا وضرَّتُها ومِنْ عُلُومِك عِلْمُ اللوحِ والقلمِ
وقوله:
يا أكرمَ الخلقِ مالي من ألوذُ به سواكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العمم
ولن يطيق رسول اللهِ جاهك بي إذا الكــريم تحلَّى باسمِ منتقم
وإنما محبته صلى الله عليه وسلم إنما ينالها العبد بطاعته لربه عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وتجريد المتابعة له صلى الله عليه وسلم؛ كما قال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
ذلك لأن الغلو فيه صلى الله عليه وسلم بأي شكل من الأشكال، سواء كان عن طريق المدح الزائد عن حده، أو بوصفه صلى الله عليه وسلم بما لا يجوز إلا لله عز وجل، كالدعاء أنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وأن بيده الأمور، وأنه يغيث العباد في قبره، وأنه يتصرف في الكون، إلى غير ذلك من العقائد والمفتريات التي وقع فيها كثيرٌ ممن يدَّعي محبته صلى الله عليه وسلم.
كل ذلك وغيره مما يناقضُ تجريدَ المتابعة له صلى الله عليه وسلم، والتي هي من لوازم محبة الله ورسوله، ويتنافى كليةً مع محبة الله ومحبة رسوله، والتي هي الغاية التي خَلَقَ اللهُ الخلقَ من أجلها، لأن أصل الإيمان محبة الله ومحبة الرسول المستلزمة لطاعته تعالى وطاعة رسوله، والتي جزاؤها الفوز بجنات النعيم.
ومع وضوح هذه الحقيقة كل الوضوح وبيانها في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أيما بيان، فإننا نجد - وللأسف الشديد - الكثير ممن ينتسب إلى الإسلام، بل وممن اشتُهِرَ بالعلم والفقه والتأليف - فضلًا عن عوام الناس - قد وقع في هذا المحذور، ألا وهو الغلو في رسول الله، حتى أجازوا الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم، وطلب العون والمدد منه بعد وفاته، والتوسل به وسؤال الله به.
فهذا العالم تقي الدين السبكي - غفر الله لنا وله - يقول بما نصه: (الباب الثامن في التوسل والاستعانةِ والتشفعِ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، اعلمْ أنه يجوزُ ويحسنُ التوسلُ والاستعانةُ والتشفعُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى ربِّه سبحانه وتعالى، وجواز ذلك وحسنه من الأمورِ المعلومةِ لكلِّ ذي دينٍ، المعروفة من فعلِ الأنبياء والمرسلين وسِيَرِ السلفِ الصالحين، والعلماءِ والعوامِّ من المسلمين، ولم ينكرْ أحدٌ ذلك من أهلِ الأديان، ولا سُمِعَ به في زمنٍ من الأزمان، حتى جاءَ ابنُ تيمية فتكلَّم في ذلك بكلامٍ يلبسُ فيه على الضعفاء الأغمارِ، وابتداع ما لم يسبقْ إليه في سائر الأعصار)[5].
ويقول أيضًا: (إنَّ التوسلَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم جائزٌ في كلِّ حالٍ قبلَ خَلْقِه وبعدَ خَلْقِه في مدةِ حياتِه في الدنيا وبعد موتِه في البرزخ)[6]، والأدهى من هذا والأغرب أنه يجيز أيضًا الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته[7]، وقد استدلَّ لذلك بآثار واهية، وحجج وقياسات داحضة، وادعى الإجماع المكذوب.
ومما استدلَّ به على التوسل به صلى الله عليه وسلم الحديثُ الذي رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه لما اعترف آدمُ بالخطيئة قال: (يا ربِّ أسألُك بحقِّ محمد لما غفرتَ لي ...)، وهو حديثٌ موضوعٌ، كما قال غيرُ واحد من السلف؛ لأن عبد الرحمن المذكور يروي أحاديث موضوعة عن أبيه، وقد ضعَّفه غيرُ واحدٍ من أئمة الجرح والتعديل، كما قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -[8]، كأحمد وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي.
وتصحيحُ الحاكم - رحمه الله - لهذا الحديث وأمثاله هو مما أنكره عليه أئمةُ الجرحِ والتعديلِ، وقالوا: (إن الحاكمَ يصحِّحُ أحاديث موضوعةً مكذوبةً عند أهلِ المعرفةِ بالأحاديث)، كما قال شيخُ الإسلام، وقد ذكر عددًا من الأحاديث الموضوعة والضعيفة التي يستدلُّ بها من يبيح التوسل والاستغاثة برسول الله وبيَّن ما فيها من علل[9].
وأما ادعاء السبكي بأن التوسل والاستغاثة والتشبع برسولِ الله صلى الله عليه وسلم هو مما أجمع عليه المسلمون سلفًا وخلفًا، علماء وأميين، وأن أحدًا لم ينكر ذلك سوى ابن تيمية - رحمه الله -، فإن ذلك مرفوض من أساسه، ومبنيٌّ على حقدٍ وافتراء، ويدلُّ على مدى تعصبه للباطل وبغضه لأهل الحق، لأن ابن تيمية - رحمه الله - ليس وحده الذي أنكر ذلك، بل عامة علماء أهل السنة والجماعة أنكروه.
ثم إنه لا يوجد نصٌّ صريحٌ في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يبيح ذلك، وما استدلَّ به هو وأمثاله من النصوص وزعمهم أنها موافقة لآرائهم، كل ذلك يدل على سوء فهمهم لهذه النصوص، وتأويلهم لها عن معناها الأصلى؛ كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64]، والتي هي عمدة القوم من الكتاب العزيز في زعمهم جواز شدِّ الرِّحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به وطلب الدعاء منه ... إلخ.
وهذا المعنى البعيد كل البعد عن مفهوم الآية الصحيح، والذي يفهمه العوامُّ من أهل العربية فضلًا عن أهل العلم، إذا المقصود بالمجيء الإتيان إلى شخصه صلى الله عليه وسلم في حياته وليس بعد موته، إذ لو كان هذا هو المراد لوضَّحَه صلى الله عليه وسلم أو لفعله خيرةُ الناس بعده وهم الصحابة رضي الله عنهم، لذا لم يردْ شيءٌ من ذلك.
فدلَّ عدمُ فعلِ أحد من السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان لهذا الأمر، دلَّ على بطلانه وحرمته، إذ لو كان خيرًا لسبقونا إليه، بل على العكس من ذلك؛ فإننا نرى منهم الإنكار على من يفعل ذلك.
وأما استدلالهم بالسنة وما نُقِلَ عن السلف - رحمهم الله -، فهو إن كان النقل صحيحًا فلا يدلُّ على ما ذهبوا إليه؛ كتوسل الأعمى بدعائه صلى الله عليه وسلم، وكتوسل الفاروق عمر رضي الله عنه بالعباس عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما ... إلى غير ذلك.
بل إن هذه النصوص والحمد لله رَدٌّ عليهم؛ لأن الأعمى توسَّل بدعاءِ النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا توسلٌ مشروعٌ، وكذا توسل عمر ومعاوية ... إلخ، إذ لو كان التوسل جائزًا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعد موته كيف تُسَوِّلُ للفاروق نفسه أن يترك هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التوسل به إلى غيره من الخلق كائنًا من كان؟!
وعليه نقول: إن التوسل قسمان كما بيَّن ذلك العلماء - رحمهم الله -[10]:
- مشروع:وهو الذي دلَّت عليه نصوصُ الكتاب والسنة، وجرى عليه عملُ السلف الصالح - رحمهم الله - وأجمع عليه المسلمون، وهو ثلاثة أنواع:
1-التوسل باسمٍ من أسماء الله تعالى الحسنى أو صفة من صفاته العلى.
2-التوسل بعملٍ صالحٍ قام به العبد الداعي، كقصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت فيه، وهي قصة صحيحة مشهورة.
3-التوسل بدعاء رجل صالح، كتوسل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه، وكتوسل أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه بيزيد بن الأسود الجرشي، وغير ذلك.
- أما التوسل البدعي المذموم:فهو ما عدا هذه الأنواع من التوسلات، وإن كان بعضُ العلماء - رحمهم الله - أباح التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده، كما روي ذلك عن الإمام أحمد رضي الله عنه، وكما نُقل أيضًا عن الشوكاني جواز ذلك بالنبي والأنبياء والصالحين، ولكن الذي ندين الله به كما قال الشيخ الألباني - رحمه الله - أن هذا ممنوعٌ ومذمومٌ[11].
لأن المسلم عليه أن يدور مع الدليل حيث دار، وأن لا يتعصب ولا يغضب للرجال، بل عليه أن ينحاز ويتعصب للحق فقط، لأنه لا دليل صحيح يجيز ذلك، وجَلَّ من عُصِمَ عن الخطأ، وكلٌّ يُؤْخَذُ من قولِه ويُرَدُّ إلا النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك - رحمه الله -.
وعليه؛ يتضح أن ادعاء السبكي - رحمه الله - وغيرُه من العلماء إباحة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والاستعانة والتشفع والاستغاثة به قولٌ مردودٌ لا يقوم عليه دليلٌ صحيح.
أما في الردِّ على جواز الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم، أو بأي مخلوق غيره، فيكفي في ذلك قول الله عز وجل في ذمِّ من يدعو غيرَ الله من نبي أو مَلَكٍ أو أي مخلوق آخر: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5]، فقد نفى عز وجل أن يكون أحد أضل ممن يدعو غيرَه، وأخبر أنه لا يستجيب له ما طلب منه إلى يوم القيامة، وسُمَّى "دعاءَ غيرِه" "عبادةً له"، والآية تعمُّ كلَّ من يُدعَى من دون الله، سواء كان نبيًّا أو مَلَكًا أو غير ذلك.
وقال تعالى أيضًا: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106]، فهذه الآية نهيٌ من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مخاطب عن دعاء غير الله، لأنه لا أحد ينفع ولا يضر غيره سبحانه.
وقد بيَّن عز وجل أن من يفعل ذلك فإنه من الظالمين؛ أي المشركين، لأن الشرك أظلم الظلم، لأنه صرف حق العبودية والربوبية عن الله إلى مخلوق لا يضرُّ ولا ينفع، وقد قال الله مخبرًا عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه وهو يعظه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
والاستغاثة من أنواع العبادة فلا يجوز صرفها إلا إلى الله وحده، والنصوص الدالة على ذلك لا يبلغها الحصر.
فتبين من هذا ضلال من يعتقد جواز الاستغاثة بغير الله والوقوع فيه، لأنه قد وقع - والعياذ بالله - بالشرك الأكبر، وإن صامَ وصلَّى وزعم أنه مسلم، كما يفعل ذلك عبَّادُ القبور، الذي يلتجأون ويستغيثون برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بغيره من البشر؛ كعلي وفاطمة والحسين رضي الله عنهم والجيلاني والتيجاني ... إلخ.
حيث تلهجُ ألسنتُهم بالاستغاثة بهم؛ كقولهم في الحوائج والقربات: يا رسول الله أو يا فلان أغثني أو انصرني أو ألطف بي، أو أنا في حسبك، ونحو ذلك من الشرك، متناسين الواحد القهار، ولا شكَّ أن هذا كله شرك وضلال، وصاحبه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُطِعَت عنقه.
فهذه بعض الصور من مظاهر الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي وقع فيها الناس، ذكرتُها في هذا المقام ليتجنبها المؤمن المحب لربه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ليكون إيمانه صحيحًا، ومحبته صحيحة، وليعلم ما عليه الناس من الضلال والبعد عن شروط ومستلزمات هذه المحبة.
الهوامش:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.