إن طاعة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر والتسليم التام لما جاء به من عند الله عز وجل من أهم لوازم محبته صلى الله عليه وسلم، وهي إضافة إلى ذلك الدليل الصادق على محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، وهذه الآية حاكمةٌ على كل من ادَّعى محبة الله ولم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم له في كل أموره، فإنه كاذب في دعواه.
وقد أَقْسَمَ أصدقُ القائلين بنفسه المقدسة، وأخبر أنه لا يؤمن الناس حتى يحكِّمُوا رسولَه صلى الله عليه وسلم فيما يتنازعون فيه، وحتى يقبلوا بحكمه ويسلموا له تسليمًا، رضاءً بما حكم، دون أي معارضة أو نزاع قلبي؛ قال جل في علاه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
فالواجب على كل مسلم التسليمُ التامُّ لما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم، وجَعْلُه الحَكَمَ في المنازعات والرضا بذلك دون أي معارضة أو انزعاج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة الذي أنقذنا الله به من النار ومن الظلمات إلى النور، فما ترك خيرًا إلا ودلَّنا عليه، وما ترك شرًّا إلا وحذَّرنا منه.
فمحبته صلى الله عليه وسلم واتباعه والتسليم التام له من أوجب الواجبات على كل مسلم، والله سبحانه وتعالى أكثر شيء بغضًا لمن لم يتبعْ رسولَه صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم أولى بنا من أنفسنا، لأن أنفسنا تأمُرُنا بالسوء، أما هو صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا إلا بما يسعدنا في الدنيا والآخرة؛ قال سبحانه: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6].
وقد أثنى عز وجل في كتابه العزيز على المؤمنين الذين يطيعون رسوله صلى الله عليه وسلم ويُسَلِّمُون له، وأخبر أنهم هم المفلحون؛ قال سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].
فهكذا ينبغي أن يكون كل مسلم؛ أن يقول سمعتُ وأطعتُ للهِ ولرسولِه صلى الله عليه وسلم، وأن ينقاد لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، ويتلقى خبره بالقبول والتصديق دون أدنى معارضة مما يوسوسه به الشيطانُ والنفسُ من خيال باطل يسميه معقولًا، أو أي شبهة أو شك فيما قال أو حكم به صلى الله عليه وسلم، ودون أن يُقَدِّمَ على سنته آراءَ الرجال وزبالة أذهانهم ومذاهبهم.
فعلينا أن نوحده صلى الله عليه وسلم بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما أُمِرْنَا أن نُوحِّدَ المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل وغير ذلك من أنواع العبادات، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما؛ توحيد المُرْسِلِ سبحانه وتعالى وتوحيد المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، فلا نتحاكم إلى غير شرعِه ولا نرضى بحكم غيرِه، ولا نقدم على سنته وهديه أقوالَ الرجالِ وآرائِهم ومذاهبِهم، فننظر ما وافقَهم من السنة فنأخذه، وما خالفه نؤوله أو نحرفه - كما هو حال من لم يعرف حقَّه صلى الله عليه وسلم -؛ لأن هذا من أعظم المحادة لله ولرسوله.
ولأن يلقى العبدُ ربَّه بكلِّ ذنبٍ بخلاف الشرك بالله خيرٌ له من أن يلقاه بهذه الحال كما قال بعض السلف - رحمهم الله -، بل المؤمن إذ بلغه الحديثُ الصحيحُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يعد نفسه كأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يسوغ له أن يؤخر قبوله والعمل به حتى يعرضَه على رأي فلان وكلامه ومذهبه؟! كلا وربي، إن هذا لمن الانتقاص من حقِّه صلى الله عليه وسلم، فإن الواجب أن تُعْرَضَ آراءُ الرجالِ وكلامُهم على السنةِ، فما وافقها أخذنا به، وما خالفها طرحنا به عرض الحائط[1].
ولاشك أن من لم يسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن توحيده ينقص، فإنه يقول برأيه وهواه ويقلِّدُ ذا الرأي والهوى بغير هدى من الله، فينقص من توحيده بقدر خروجه عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه قد اتخذه في ذلك إلهًا مع الله؛ قال سبحانه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان: 43]، أي: عبد ما تهواه نفسه وتستحسنه[2].
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.