الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛.
ضلال المتصوفة في أعمال القلب
عَظُمَ ضلال المتصوفة في أعمال القلب، فمع اهتمامهم الشديد بها، وتسميتها أحوالًا ومقامات وتفصيل دقائقها، فقد أوقعهم الهوى والابتداعُ ومتابعةُ أسلافهم من صوفية الوثنيين الهنود واليونان في تناقضات وتخبطات أخرجت طائفةً منهم عن الدين كله.
فمن ذلك ضلالهم في "الرضا" - الجامع للانقياد والقبول - فقد خرجوا فيه عما كان عليه السلف إلى معنى فلسفي وثني، هو "الرضا المطلق" بكل ما في الوجود؛ لأنه من إرادة الله وقَدَرِه، حتى اعتقدوا وجوب الرضا بالكفر والفسوق والعصيان، ووقعوا في الجبر المحض تحت ستار ما أسموه "شهادة الحقيقة الكونية"!! و"الاستبصار بسِرِّ الله في القدر"!!
وضلوا في الرجاء والمحبة؛ حيث افتعلوا بينهما تناقضًا، فاحتقروا الرجاء واعتبروه "أضعف مقامات المريدين"، وغالوا في المحبة حتى أسقطوا ما يقابلها من الخوف، وجعلوا همهم - بزعمهم - عبادة الله لذاته لا طمعًا في جنته ولا خوفًا من ناره، وجعلوا ذروة المحبة "الفناء" في المحبوب؛ ولهذا قال فيهم السلف: (منْ عَبَدَ اللهَ بالحبِّ وحده فهو زنديقٌ)، وأفضى بهم هذا إلى احتقار الجنة والنار، واحتقار مقام الأنبياء، بل اعتقاد الحلول والوحدة، عياذًا بالله!!
وضلُّوا في الزهد؛ فأخرجوه من عملٍ قلبيٍّ إيجابي إلى مظهرٍ سلبي، حتى إنهم حرَّموا به طلبَ العلم؛ لأن ذلك كما قالوا يؤدي إلى تقدير الناس للعالِم، وهذا - بزعمهم - ينافي الزهد، وعبَّدُوا الأمة للفقر وبه، حتى سمُّوا أنفسهم الفقراء، وسمُّوا الله تعالى "الفقر"!!
وبالجملة؛ فلا تكاد تجد شرطًا من شروط لا إله إلا الله ولا عملًا من أعمال القلب إلا ولهم فيه ضلال وانحراف، مما كان له أثره العميق في انتشار الظاهرة واقعيًّا([1]).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.