الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
تحبيب الناس في الله عز وجل
المعرفة هي طريق المحبة الصادقة لله عز وجل؛ ومع ذلك فإن المعرفة تحتاج دومًا إلى تذكير يتجاوب معه الفكر والعاطفة، هذا التذكير الدائم من شأنه أن يبذر بذور المحبة في القلب، ويشكِّل قاعدته في المشاعر والوجدان.
ومع أهمية التذكير الدائم تأتي الأعمال الصالحة ذات الصلة بموضوع المحبة؛ لتكون بمثابة الماء الذي يسقي بذور المعرفة بالله الودود، فتنمو شجرتها ويرتفع بنيانها، لتكون النتيجة هي استحواذ حب الله على أكبر قدر من مشاعر الحب داخل القلب، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66].
تحبيب الناس في الله عز وجل:
ومن الأعمال الصالحة التي تسقي شجرةَ المحبة: تحبيبُ الناس في الله عز وجل، وذلك بالحديث معهم عن نعمه سبحانه، ومدى حبه لهم ورأفته وشفقته ولطفه بهم.
فهذه الوسيلة لها أكثر من فائدة؛ منها: أنها تُذَكِّرُ المتحدث بما قد يكون غفل عنه، فتجعله في حالة دائمة من التذكر والانتباه، ومن فوائدها كذلك: أنها تدفعه إلى العمل بما يقول حتى لا يدخل في دائرة من يقول ولا يفعل، ومنها كذلك: أنها من أفضل الأعمال التي يحبها اللهُ عز وجل، ومن ثمَّ فإنها تُعَرِّضُ صاحبَها لنفحات المحبة الإلهية.
عن أبي أمامة الباهلي أنه كان يقول: (حَبِّبُوا اللهَ إلى الناسِ يُحْبِبْكُمُ اللهُ)([1])، وجاء في الأثر: أن اللهَ عز وجل أوحى إلى داود عليه السلام (يا داود أحبني، وأَحِبَّ من يحبني، وحَبِّبْنِي إلى خَلْقِي، قال: يا ربِّ، هذا أحبك وأحب من يحبُّك، فكيف أُحَبِّبُكَ إلى خلقِك؟ قال: ذَكِّرْهُم بآلائِي فإنهم لا يذكرون مني إلا خيرًا)([2]).
وعن كعب قال: (أوحى اللهُ عز وجل إلى موسى عليه السلام: أتُحِب أن تُحِبَّك جنتي وملائكتي، وما ذرأتُ من الجنِّ والإنسِ؟ قال: نعم يا ربِّ، قال: حبِّبْنِي إلى خلقِي، قال: كيف أُحَبِّبُك إلى خلقِك؟ قال: ذَكِّرْهُم آلائي ونعمائي، فإنهم لا يذكرون منِّي إلا كل حسنةٍ)([3])، وكان أبو الدرداء يقول: (إن أحبَّ عبادِ اللهِ إلى اللهِ عز وجل الذين يحبون اللهَ ويُحَبِّبُون اللهَ إلى الناسِ)([4]).
وإذا أردت أخي القارئ تطبيقًا عمليًّا لهذه الوسيلة؛ فانظر إلى قوله تعالى وهو يخاطب فيه نبيَّه ويعلمه طريقة الدعوة، وما ينبغي أن يتضمنه خطابُها من تحبيب الناس في ربهم: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 54].
وهذا كثيرٌ في القرآن، تأمل قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 3].
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالًا كاملًا للداعية الذي يحبِّبُ الناسَ في الله عز وجل، ويدفعهم للفرار إليه مهما ارتكبوا من آثامٍ؛ أتاه يومًا من الأيام شيخٌ كبيرٌ وهو يستند على عصاه، فقال: ((يا نبيَّ اللهِ، إن لي غدرات وفجرات، فهل يغفرُ اللهُ لي؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: تشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ الله؟ قال: بلى يا رسول اللهِ، قال: فإنَّ اللهَ قدْ غفرَ لك غدراتك وفجراتك، فانطلق وهو يقول: اللهُ أكبر اللهُ أكبر)).([5])
وكذلك كان صحابته: فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يلقى الفرزدقَ، وقد كان شاعرًا يقذفُ النساءَ، وكانت الناس تكرهُ فيه ذلك، فماذا قال له أبو هريرة عندما لقيه؟! يقول الفرزدقُ: (قال لي أبو هريرة: أنت الفرزدق؟ قلتُ: نعم، فقال: أنت الشاعر؟ قلتُ: نعم، فقال: أما إنَّكَ إن بقيتَ لقيتَ قومًا يقولون لا توبةَ لك، فإياك أن تقطعَ رجاءَك من رحمةِ اللهِ)([6]).
ومات لرجلٍ ابنٌ مسرفٌ على نفسه، فلقيه عليُّ بن الحسين فقال له: (إنَّ من وراء ابنِك ثلاثَ خِلَالٍ: أمَّا أولها فشهادةُ أن لا إله إلا الله، وأما الثانية فشفاعةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأما الثالثةُ فرحمةُ اللهِ عز وجل التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ)([7]).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.