الصلوات البكرية([1]) والدرديرية([2]) الميرغنية([3])
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ هذه الألفاظ والصيغ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلها لا أصل لِمَا في السنة المطهرة، وبطلانها واضح لكل من عنده أدنى مسكة من العلم والدين، ويكفي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلمها أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم، ولم تُؤْثَر عن أحدٍ من السلف الصالحين وأئمة الدين، وإنما أحدثها المتأخرون من مشايخ الطرق الصوفية وشرعوها لأتباعهم ومريديهم، وفضَّلوها على الصلوات النبوية المباركة.
قال الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي - رحمه الله - في فصل في بدع الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من فظيعِ ما كُتبَ ونُشر على السلمين في كتبِ المشهورين الذين يعتقدُ الجمعُ الغفيرُ في دينِهم وغزارةِ علمِهم قولهم: "إن من صلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم، بصيغةِ الفاتح لما أُغلق والخاتم لما سَبَقَ وناصر الحقِّ بالحقِّ ... إلخ"، مرةً واحدةً في عمرِه لا يدخل النارَ، وإن قراءتها مرةً تعدلُ ثوابَ ستِّ ختماتٍ قرآنيةٍ، وقيل: المرةُ منها تَعْدِلُ عشرةَ آلاف، وقيل: ستمائة ألف، ومن تلاها في ليلةٍ ألف اجتمعَ بالنبي، كذا في "شرح صلوات الدردير للصاوي"([4]).
فيا لله العجب، لقد أضاعوا فضلَ كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بجانب فضل ثواب هذه الصيغة المبتدعة، وهل أحدٌ على وجه الأرض يقرأ آيةً من القرآن أو حرفًا من كلامِ محمد صلى الله عليه وسلم، أو يصلي عليه بعد ما سمع هذا؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون، يا إله العرش إليك وحدك لا شريك لك نشكو ما حلَّ بالإسلام وأهله، والبلايا والرزايا والمصائب بسبب علمائه وكبراته لا غير، فإنهم هم الذين ضلُّوا وأضلُّوا.
ومن الهذيان قولهم جماعة: (ألف ألف صلاة على محمد، وميتين ألف للعربي كرامة، عشرتالاف للي فج نوره، هدية للمظلل بالغمامة)، وكذا قولهم: (صلِّ على محمد عدد حروف القرآن حرفًا حرفًا، وعدد كل حرفٍ ألفًا ألفًا، وعدد صفوف الملائكة صفًّا صفًّا).
وكذا قولهم: (صلِّ على محمدٍ زِنَة بحارك، وعددَ أمواجك، وعدد اضطراب المياه العذبة والملحة، وعدد الرمل والحصى، وعدد كل شجرٍ ومَدَرٍ وحجرٍ، وعدد ما يخرج من نبات الأرض، وعدد ما خَلَقْتَ من الإنس والجنِّ والشياطين، وعدد كل شعرة في أبدانهم ووجوههم ورؤوسهم، و... و...، منذ خَلَقْتَ الدنيا إلى يوم القيامة في كل يوم ألف ألف مرة).
كل هذا وما شاكله شَرْعٌ لم يأذن به اللهُ ورسولُه، فهو باطلٌ مردودٌ مضروبٌ به على وجه صاحبه، ثم اعلموا أن الله جلَّت قدرتُه، وتعالت عظمتُه وملائكتُه، لا يكتبون لكم أجرَ كل ما تظنون وتزعمون أن لكم فيه أجرًا كبيرًا، إذ هو الربُّ الخالق السيد، وأنتم العبيد، وإنما يكتب لكم أجرَ ما عملتموه موافقًا لما شرعه في كتابه وعلى لسان نبيه، ثم يضاعف لكم أضعافًا كثيرة.
كما قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى: 23]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]، لا أن تذكروا ربَّكم بما تشتهون مما تخترعون، ثم هو يكتب لكم ويثيبكم على وفق مرادِكم ومزاجِكم، اللهُ أكبر!! اللهُ أكبر!! وسبحان الله!!
فمن أراد السلامةَ فليتجنب هذه الخزعبلات كلها، وأن لا يتعبد إلا بما هو أعلى صحةً وأقوى سندًا كحديث الصحيحين وغيرهما، والله الموفق.
إذا فهمت هذا؛ فاعلم أن الصلوات "البكرية"، و"الدرديرية"، و"الميرغنية"، كلها مخترعات ومبتدعات، وكذا كل كتاب رُتِّبَت فيه الصلاة على النبي على حروفِ المعجم، كأن يقول فيها: (اللهمَّ صلِّ على سيدنا محمد القائل: إنما الأعمال بالنيات ...)، ويذكرون بعد كل تصلية حديثًا نبويًّا أو سجعةً، فاعلم أنه حدث في الدين وشرع لم يأذن به الله، فلا تتعبد أخي أصلًا بكل ما لم يتعبد به محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ولا تلتفت إلى ما لم يخرج من فمِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فلستَ مُحبًّا له، ولا متَّبِعًا لما جاءك به، ولا مطيعًا لربك في قوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، وقوله: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]، ولا تكونن آمنًا من أن يكون لك نصيب من آية: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
([1]) نسبةً إلى البكري الصوفي، وهو مصطفى بن كمال الدين بن علي بن كمال الدين بن عبد القادر محي الدين البكري الصديقي، أبو المعارف الدمشقي الحنفي، وُلد سنة (1099هـ)، وتُوفي سنة (1462هـ)، له التصانيف في التصوف والصلوات، منها: الفيوضات البكرية على الصلوات البكرية، وغير ذلك، انظر: هدية العارفين، إسماعيل البغدادي، (2/446).
([2]) نسبة إلى الدردير، وله مؤلف في الصلاة على النبي r سماه "المورود البارق في الصلاة على أفضل الخلائق r"، انظر: هدية العارفين، إسماعيل البغدادي، (1/181).
([3]) نسبة إلى الميرغني، وهو محمد بن عثمان بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله الميرغني المحجوب، الحنفي الحسيني، مفسر صوفي، وُلد بالطائف سنة (1208هـ)، وتُوفي بها أيضًا سنة (1268هـ)، من مؤلفاته: تاج التفاسير لكلام العلي الكبير، وشرح البيقونية في مصطلح الحديث، وغير ذلك، انظر: الأعلام، الزركلي، (6/262) ومعجم المؤلفين، عمر رضا، (10/286).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.