بدع الأذكار والأدعية المبتدعة

بدع الأذكار والأدعية المبتدعة






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ ثم أما بعد، ما من ريب أن الشرع الحنيف قد جاء بالهدي المبين والسبيل المستبين فيما ينبغي أن يكون عليه المسلمون في جميع العبادات والأعمال التي يُقصد بها التقرب إلى الله تعالى، ومنها الذكر والدعاء.

وقد دلَّت السُّنة المطهرة على جنس المشروع والمستحب في ذكر الله تعالى ودعائه كسائر العبادات، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما ينبغي أن يقولوه من ذكر ودعاء في أحوالهم المختلفة وأوقاتهم المتنوعة، بحيث تركهم في هذا الباب وغيره من أبواب الدين على محجةٍ بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، فالمشروع للمسلم أن يذكر الله بما شرع، وأن يدعوه بالأدعية المأثورة، ويجتنب الأذكار المخترعة والإحداث فيها، لأن الذكر والدعاء عبادة، والعبادة مبناها على الاتباع لا على الابتداع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (لا ريبَ أن الأذكارَ والدعوات من أفضلِ العبادات، والعباداتُ مبناها على التوقيفِ والاتباعِ، لا على الهوى والابتداعِ، فالأدعيةُ والأذكارُ النبويةُ هي أفضلُ ما يتحراه المتحري من الذكرِ والدعاءِ، وسالكُها على سبيلِ أمانٍ وسلامةٍ ...

وما سواها من الأذكارِ قد يكون محرمًّا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون فيه شركٌ مما لا يهتدي إليه أكثرُ الناسِ، وهي جملةٌ يطولُ تفصيلُها، وليس لأحدٍ أن يسنَّ للناسِ نوعًا من الصلوات الخمس، بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذنْ اللهُ به، بخلافِ ما يدعو به المرءُ أحيانًا من غيرِ أن يجعلَه للناسِ سنةً، فهذا إذا لم يُعلمْ أنه يتضمن معنى محرمًا لم يجزْ الجزمُ بتحريمِه لكنْ قد يكونُ فيه ذلك، والإنسانُ لا يشعرُ به.

وهذا كما أن الإنسانَ عند الضرورةِ يدعو بأدعيةٍ تفتح عليه ذلك الوقت، فهذا وأمثالُه قريبٌ، وأما اتخاذُ وردٍ غيرِ شرعيٍّ واستنانُ ذكرٍ غيرِ شرعيٍّ، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعيةِ الشرعيةِ والأذكارِ الشرعيةِ غايةُ المطالب الصحيحةِ، ونهايةُ المقاصد العليةِ، ولا يعدلُ عنها إلى غيرِها من الأذكارِ المحدثةِ المبتدعةِ إلا جاهلٌ أو مفرطٌ أو متعدٍّ)([1]).

ولما كانت الأوراد الشرعية والأذكار النبوية متضمنة الخير كله، ومشتملة على غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، اعتنى أهل العلم - قديمًا وحديثًا - بجمع الأذكار النبوية والأدعية المأثورة عن رسول الله r، فصنفوا - رحمهم الله - في ذلك كتبًا كثيرةً، ما بين مطلولة بالأسانيد ومختصرة بحذفها.

وكان لعلماء الشافعية نصيب أوفر من هذه الجهود المباركة، أذكر هنا بعض مصنفاتهم على سبيل المثال؛ منها: كتاب "عمل اليوم والليلة" للإمام ابن السني "ت 364 هـ"، وكتاب "شأن الدعاء" للإمام الخطابي "ت 388 هـ"، وكتاب "الدعوات" للإمام البيهقي "ت 458 هـ"، وكتاب "عمل اليوم والليلة" للحافظ المنذري "ت 656 هـ"، وكتاب "الأذكار" للإمام النووي "ت 676 هـ"، وغير ذلك من المصنفات النفيسة في هذا الباب، كل ذلك لتكون الأذكار النبوية والأدعية الشرعية بين أيدي الناس وفي متناولهم.

فحريٌّ بالمسلم الذي أراد لنفسه الفضيلة والسلامة والتمام والرفعة في الدنيا والآخرة أن يفيد من تلك الكتب القيمة، المبنية على ما أُثِرَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وخاصة كتاب "الأذكار" للإمام النووي، فإنه من أجمع وأحسن الكتب المصنفة في هذا الباب، ويستغني بذلك عن الأذكار المبتدعة، ويدعُ الأدعية المحدثة المشتملة على المفاسد الكثيرة والآثار السيئة على المسلم في عقيدته وأعماله التعبدية([2]).

 

الهوامش:

([1]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، (22/510-511).

([2]) انظر الآثار السيئة للأدعية المحدثة في: الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية، جيلان العروسي، (2/592-598)، وفقه الأدعية والأذكار، عبد الرزاق بن عبد المحسن، القسم الثاني، ص(54-57).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
بدع الأذكار والأدعية المبتدعة.doc doc
بدع الأذكار والأدعية المبتدعة.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى