شبهة الاستدلالُ على جوازِ الغلوِّ فِي الأنبياءِ وَالصالحين بحديثِ النورِ المروي عنْ جابر
يستدلُّ المبتدعةُ بجوازِ الغلوِّ في الأنبياء وَالصالحين، بحديثِ النور المروي عنْ جابر – رضيَ اللهُ عنه -، على أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خُلِقَ مِنْ نورٍ، وَأنَّ سائرَ المخلوقاتِ خُلقتْ مِنْ نورِه، وَالحديثُ: رُوي عنْ جابر بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه أنَّه قَالَ: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، بأبي أنتَ وَأُمِّي، أَخْبِرْنِي عنْ أولِ شيءٍ خَلَقَه اللهُ قبلَ الأشياءِ ...)) الحديث، هكذا ذكرَه العجلوني فِي "كشف الخفاء"([1])، وَقَدْ أوردَه صاحبُ كتابِ "تبرئة الذمة"، وَفيه زيادةٌ لا أدري مِنْ أينَ أتَى بها([2])!
الردُّ:
أولًا: هذا الحديثُ مكذوبٌ، لا يوجدُ في شيءٍ منْ كتبِ السنةِ، وَإنما يتناقلُه بعضُ المبتدعةِ وَعوامُّهم دونَ أنْ يوردوا له إسنادًا يُحْكَمُ عليه بِه، قَالَ السيوطي: (لا سندَ له يثْبتُ ألبتة)([3])، وَأمَّا نِسبتُه إلى عبدِ الرزاق فهو مجردُ دعوى، فليسَ له أثرٌ في مصنفِ عبدِ الرزاق وَلَا تفسيرِه، وَلقدْ بحثتُ عنه فيهما فلمْ أجدْه([4])، وَليسَ هوَ فِي شيءٍ منْ كُتُبِ السنةِ، وَعلى مَنْ ينسبُه إلى عبدِ الرزاق أنْ يذكرَ موضعَه مِنْ كتبِه، أوْ يُثْبِتَ إسنادَه إليه ليقوم.
ثانيًا: قالَ الشيخُ عبدُ العزيزِ بن باز - رحمهُ اللهُ -: (وَكُلُّ مَنْ تَأَمَّلَ الأدلةَ الشرعيةَ مِنَ الكتابِ وَالسنةِ؛ عَلِمَ يقينًا أنَّ هذا الخبرَ مِنْ جملةِ الأباطيل التي لا أساسَ لها مِنَ الصحةِ)([5]).
ثالثًا: الحديثُ مخالفٌ لقواطع الأدلةِ النقليةِ وَالعقليةِ المُثْبِتَة لبشريةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّه مخلوقٌ منْ أُمٍّ وَأَبٍ كسائرِ البشرِ؛ كَمَا قَالَ تعالى عنه: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 93].
رابعًا: قَدْ جاءتْ النصوصُ في بيانِ أول المخلوقات فِي هذا العالمِ، وَقَدْ تكلمَ أهلُ العلمِ فِي ذلك، وَالخلافُ الواقعُ بينهم في ذلكَ هوَ فِي العرشِ وَالقلمِ، أمَّا خَلْقُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلمْ يتعرضوا له في هذِه المسألةِ، وَليسَ المقامُ مقامَ تفصيلِ الخلافِ فِي ذلكَ، وَإنْ كَانَ الراجحُ أنَّه العرش([6]).
([2]) ولعلها منقولة عن ابن عربي الطائي، فقد قال عبد الله الغماري في "مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر" عن هذا الحديث: (وله بقية طويلة، وقد ذكره بتمامه ابن العربي الحاتمي، في كتاب "تلقيح الأذهان ومفتاح معرفة الإنسان"، والديار بكري في كتاب "الخميس في تاريخ أنفس نفيس")، انظر: تبرئة الذمة في نصح الأمة، محمد بن عثمان عبده البرهاني، ص(9-10).
([4]) انظر ما ذكره عبد الله الغماري في تعليقه على قصيدة البردة، ص(45)، وقد قال معلِّقًا على قول السيوطي عن الحديث: (إنه غير ثابت)، قال: (وهو تساهلٌ قبيحٌ، بل الحديث ظاهرُ الوضعِ، واضحُ النَّكَارَةِ، وفيه نفس صوفي ... - إلى أن قال - والعجب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق، مع أنه لا يوجدُ في مصنفه ولا تفسيره ولا جامعه، وأعجب من هذا أن بعض الشناقطة صدَّقَ هذا العزو المخطئ، فركَّبَ له إسنادًا من عبد الرزاق إلى جابر، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له، فجابر رضي الله عنه بريء من هذا الحديث، وعبد الرزاق لم يسمع به)، وللغماري رسالة في بيان وضع هذا الحديث، موسومة بـ"مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر".
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.