الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛اتفق العلماء من السلف الصالح-رحمهم الله- على أن الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية، أمر محدث مبتدع في الدين، ولم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابة، ولا عن التابعين وتابعيهم، ولا علماء الأمة المشهورين ؛ كالأئمة الأربعة ونحوهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول، التي يقال إنها المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها، والله سبحانه وتعالى أعلم )[1] ا.هـ .
قال ابن الحاج في (( المدخل )) : ( فصل في المولد : ومن جملة ما أحدثوه من البدع، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات، وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد، وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة . فمن ذلك : استعمالهم المغاني، ومعهم آلات الطرب من الطار المصرصر[2] والشبابة[3] وغيرهم ذلك، مما جعلوه آلة السماع ......ا.هـ[4] .
قال الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني: (لا أعلم لهذا المولد أصلاً في الكتاب ولا سنة، ولا ينقل[5] عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون[6]، وشهوة نفس اعتنى بها الأكَّالُون،... هذا مع أن الشهر الذي ولِدَ فيه صلى الله عليه وسلم- وهو ربيع الأول- هو بعينه الشهر الذي تُوفي فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه ،وهذا ما علينا أن نقول ومن الله تعالى نرجو حُسن القبول ) ا.هـ[7] .
وقال محمد عبد السلام خضر الشقيري في كتابه (( السنن والمبتدعات )) : ( في شهر ربيع الأول وبدعة المولد فيه : لا يختص هذا الشهر بصلاة ولا ذكر ولا عبادة ولا نفقة ولا صدقة، ولا هو موسم من مواسم الإسلام كالجمع والأعياد التي رسمها لنا الشارع – صلوات الله وتسليماته عليه، وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين -، ففي هذا الشهر ولِد صلى الله عليه وسلم، وفيه تُوفي، فلماذا يفرحون بميلاده ولا يحزنون لوفاته ؟!)ا. هـ[8] .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في جواب على سؤال عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهل فعله أحد من أصحابه أو التابعين وغيرهم من السلف الصالح: (لا شك أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة في الدين، بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي، وصار للتضليل والإضلال، والوهم والإيهام مجال عميت فيه البصائر، وقوي فيه سلطان التقليد الأعمى، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام الدليل على مشروعيته، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان، فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لدى التابعين، وتابعيهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضُّو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ))[9]. وقال – عليه السلام – أيضاً- : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))[10]. وفي رواية : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ))[11].
الهوامش
[1] - يراجع : مجموعة الفتاوى (25/298) .
[2] - الطار المصرصر : أي المشدود . يراجع : لسان العرب (4/450-455) .
[3] - الشبابة – بالتشديد : قصبة الزمر المعروفة . (مولد ) . يراجع : شفاء الغليل لما في كلام العرب من الدخيل ص(156) .
[4] - يراجع : المدخل (2/2-10) .
[5] - هكذا وردت في كتاب الحاوي (1/190) . لعل صحة العبارة – والله أعلم - : (ولم ينقل ) .
[6] - البطالون : جمع بطال، ورجل بطال : ورجل بطال : ذو باطل، وباطل بين البطول . والتبطل : فعل البطالة : وهواتباع اللهو والجهالة . يراجع لسان العرب (11/56) مادة (بطل ) .
[7] - يراجع : الحاوي للسيوطي (1/190-192 ) .
[8] -يراجع : السنن والمبتدعات ص (143) .
[9] - رواه الإمام أحمد في مسنده (4/126، 127) .
ورواه أبو داود في سننه المطبوع مع شرحه عون المعبود (12/358- 360) كتاب الفتن، واللفظ له .
ورواه الترمذي في سننه المطبوع مع شرحه تحفة الأحوذي (7/ 438-442). وقال هذا حديث حسن صحيح، باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة .
ورواه ابن ماجه في سننه (1/ 15، 16 )، المقدمة .
[10] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (5/301) كتاب الصلح، حديث رقم (2697). ورواه مسلم في صحيحه (3/1343) كتاب الأقضية، حديث رقم ( 1718).
[11] - ورواه مسلم في صحيحه (3/1343، 1344) كتاب الأقضية، حديث رقم ( 1718).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.