شبهة الاستدلالُ على الاحتفالِ بمولدِ النبيِّ بخبرِ تخفيفِ العذابِ عنْ أبي لهب لفرحِه بمولِدِه
يستدلُّ المبتدعةُ بجوازِ الاحتفالِ بيومِ مولدِه صلى اللهُ عليه وسلم، بما رُوي في تخفيفِ العذابِ عنْ أبي لهب لمَّا فَرِحَ بميلادِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، وَأعتقَ جاريتَه ثويبة لمَّا بَشَّرَته بذلكَ([1]).
الردُّ:
أولًا: خبرُ تخفيفِ العذابِ عنْ أبي لهب لِعِتْقِه ثويبة، رواه البخاريُّ مُرْسَلًا عنْ عروة بنِ الزبيرِ رضيَ اللهُ عنه، وَلكنْ ليس الاستدلال لهذه الشبهةِ بهذا المُرْسَلِ، إذ ليسَ فيه أنَّ سببَه بشارتُها له بمولدِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، وَإنِّما الاستدلالُ واقعٌ بما ذَكَرَه السهيلي، أنَّ العباسَ بن عبدِ المطلب رضيَ اللهُ عنه قالَ: (رأيتُه في منامِي بعدَ حَوْلٍ في شرِّ حالٍ، فقالَ: ما لقيتُ بعدَكم راحةً إلَّا أنَّ العذابَ يُخَفَّفُ عنِّي كلَّ يومِ اثنين، قالَ: وَذلك أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم وُلد يومَ الاثنين، وَكانتْ ثويبةُ بَشَّرَتْ أبا لهب بمولدِه فأَعْتَقَها)([2])، وَهذَا ذكرَه السهيليُّ - رحمهُ اللهُ - بلا إسنادٍ؛ فلا حجةَ فيه.
ثانيًا: أنَّ المشهورَ في السِّيَرِ هو إعتاقُ أبي لهب لثويبة قريبًا مِنْ زَمَنِ الهجرةِ، إمَّا قبلَها أو بعدَها، وَقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: (وَأَعْتَقَها أبو لهب بعدمَا هاجرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم إلى المدينةِ)([3]).
ثالثًا: على افتراضِ صحةِ الروايةِ؛ فالمذكورُ فيها رؤيا منامٍ، وَهذه ممَّا لا تثبتُ بها الأحكامُ؛ قالَ الحافظُ في الفتح: (وَعلى تقديرِ أنْ يكونَ موصولًا، فالذي في الخبرِ رؤيا منامٍ، فلا حُجَّةَ فيه، وَلَعلَّ الذي رآها لَمْ يكنْ إذ ذاك أسلمَ بعد فلا يُحتجُّ بِه)([4]).
رابعًا: فَرَحُ أبي لهب بمولِدِ ابنِ أخيه لمْ يكنْ عَنْ إيمانٍ وَتصديقٍ، بلْ يمكنُ أنْ لَوْ قَدْ عَلِمَ ما سيكونُ للنبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم مِنْ شأنٍ؛ أنْ يستبدلَ بذلك الفرحِ حزنًا لا مُنْتَهَى لَه.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.