الرد على الحيرة والاضطراب والجنون عند الصوفية

الرد على الحيرة والاضطراب والجنون عند الصوفية





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وآله وصحبه وسلم وبعد فقد سبق ذكر الحيرة والاضطراب عند الصوفية وفي هذا المقال نلقي الضوء على هذا المعنى من خلال ما يلي :
أولا: لا يصح شرعًا، ولا عقلًا، ولا علمًا مدح الحيرة والاضطراب، والدهشة والهذيان والحماقة والجنون، فأما شرعًا فإنا الله تعالى ذم الحيرة والنفاق، والاضطراب وقلة العقل، وحرم تناول ما يزيل العقل، وجعل ذلك من علامات الضلال والخسران من جهة، ومدح اليقين والثبات، وأثنى على أولي الألباب والعقول، وجعل ذلك من علامات الهداية والفلاح من جهة أخرى، قال تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71].
          وقال تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 143]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } [النساء: 43].
          وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }  [إبراهيم:24، 25]، لكن العبادة الصوفية يصدق عليها قوله تعالى: { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم: 26]. فشتان بين الحالين والشجرتين.
          وأما عقلًا فمن الثابت بداهة أن اليقين والثبات والاطمئنان هي صفات صحية محبوبة ومطلوبة لدى الإنسان، لكن الشك والحيرة، والقلق والاضطراب هي صفات مرضية مكروهة ومرفوضة لدى بني آدم، وبما أن الأمر كذلك، والصوفية، فإن هذا دليل دامغ على عدم موقفهم هذا.
          وأما علمًا فمن المعروف طبيا أن الحيرة والاضطراب، والجنون والهذيان من الحالات المرضية لا الصحية، وهذا يعني إن هؤلاء الصوفية مرضى وغير عاديين ويجب عرضهم على أطباء أخصائيين في الأعصاب والأمراض النفسية لفحصهم وعلاجهم، ويعني أيضا أن التصوف أمرض أتباعه  وأهلكهم ولم يشفهم ولا أنجاهم، ولو كان التصوف بأصوله وفروعه وغاياته موافقا للشرع والعقل والعلم ما أوصل أتباعه إلى الحيرة والاضطراب، وإلى الجنون والهذيان، والحماقة وقلة الحياء، وبما أن هذا حالهم فهو دليل دامغ على خطأ قولهم بالحيرة والاضطراب بل وعلى عدم صحة التصوف من أساسه كما سبق أن بيناه.
          وثانيا: إن قول بعضهم بأن التوحيد يعمي البصير ويحير العاقل، ويدهش الثابت[1]، فهو قول غير صحيح شرعا ولا عقلا، لأن التوحيد الشرعي ينور القلوب والعقول، ويثبت النفوس، ويوحد الغايات والقدرات، ويفجر الطاقات والعبقريات، وهذا يعني أن التوحيد الذي تكلم عنه الرجل هو التوحيد الصوفي لا الشرعي، فهو الذي أعمى الصوفية وأورثهم التحير والاندهاش، وأقعدهم عن العمل وعمارة الأرض.
          وأما قول ابن عجيبة:" ومنهم من يغلب عليه الدهشة والحيرة قال بعضهم أعرف الناس بالله أشدهم تحيرا فيه، وفي الحديث:" اللهم زدني فيك تحيرا"[2]، فهو قول باطل دون شك، لأن أعلم الناس بالله وأتقاهم له لا يمكن أن يكون متحيرا ولا أشد الناس تحيرا، بدليل ما ذكره الله تعالى عن إيمان وأحوال أنبيائه وعباده المؤمنين من ثبات ويقين وصمود في الدعوة إليه والجهاد في سبيله سبحانه وتعالى، ولهذا قال الله تعالى لنبيه، وهو أعلم الناس به: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، ولم يقل: له:" وقل ربي زدني تحيرا فيك" والمسلم الصادق الإيمان لا يطلب الحيرة، ولا يكون حائرا في إيمانه، وإنما يكون مؤمنا تقيا منورا ثابتا على الحق، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [إبراهيم: 27].
          وقال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122] {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122]، فاليقين هو الذي يمدح ويحث على طلبه والتحلي به، وليس التحير.
          وأما الحديث الذي استدل به ابن عجيبة، فهو حديث لا أصل له، ولم أعثر عليه في أي مصدر من المصادر الحديثية، وفيه يقول الشيخ تقي الدين ابن تيمية : "هو من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث، وإنما يرويه جاهل أو ملحد، فإن هذا الكلام يقتضي أنه كان حائرا وأنه سأل الزيادة في الحيرة وكلاهما باطل، فإن الله هداه بما أوحاه إليه وعلمه ما لم يكن يعلم وأمره بسؤال الزيادة من العلم بقوله: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
          وهذا يقتضي أنه كان عالما وأنه أمر بطلب المزيد من العلم ولذلك أمره هو والمؤمنون بطلب الهداية في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6]، وقد قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، فمن يهدي لخلق كيف يكون حائرا والله قد ذم الحيرة في القرآن في قوله تعالى: { قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71].
          وفي الجملة فالحيرة من جنس الجهل والضلال، ومحمد صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق علما بالله وبأمره وأكمل الخلق اهتداء في نفسه وأهدى لغيره وأبعد الخلق عن الجهل والضلال"[3].
          ثالثا : إن قول ذي النون المصري بأن أول درجة يلقاها العارف هي:" التحير، ثم الافتقار، ثم الاتصال، ثم انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة"[4]. فهو قول فاسد، ويصدق على العبادة الصوفية لا الشرعية، وهو قول يندرج ضمن قوله تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } [إبراهيم: 26]. فلو كانت العبادة الصوفية شجرة طيبة ما كانت مخالفة للشرع والعقل والعلم، وما كانت ثمارها مرة وخبيثة ومدمرة للفرد والمجتمع.
          لكن العبادة الشرعية تخالف تماما عن العبادة الصوفية، لأن منطلقها نور ويقين-الوحي الصحيح- ونهايتها نور ويقين في قلوب المتقين، ثم جنة نعيم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
          وليس صحيحا ان عقل العقلاء ينتهي إلى العقلاء الطالبين للحق فهقولهم تنتهي بهم إلى اليقين والثبات، والاستسلام لله وشريعته، وعقول العقلاء هي التي مدحها الشرع ونوه بها، وحث على استخدامها والاحتكام إليها، كما في قوله سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: 3].
          وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى } [طه: 54].
          وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43].
          وقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190].
          وأما قول أبي بكر الشبلي بأن أولها الله تعالى، وآخرها ما لا نهاية له، فهو قول لا يصح، وهو يصدق على الشبلي وأمثاله ولا يصدق على العبادة الشرعية، لأن الإيمان الصحيح يبدأ بالله وينتهي إليه مهما ازداد وتعمق وتوسع فهو لن يخرج عن الأحوال الإيمانية والعبادة الشرعية، لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
          وقال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام: 162].
          وأما قول أبي حفص النيسابوري :" مذ عرفت الله ما دخل قلبي حق ولا باطل"[5]، فهو غير صحيح شرعا ولا عقلا، وإنما هو قول يصف حال العارف الصوفي، ولا يصف حال المسلم التقي، لأن العبادة الصيحة تملأ قلب المؤمن بالحقائق الربانية كمعرفة الله تعالى بصفاته، وتذوق أنواره، وفهم كتابه، واكتشاف أسراره وحكمه وسننه في مخلوقاته، فالأمر ليس كما زعم أبو حفص النيسابوري، والمعرفة التي قال أنه عرفها ليست من دين الإسلام في شيء، وإنما هي من العبادة الصوفية، التي هي ضلالات وأباطيل، وتلبيسات ورعوناتن وغايتها الفناء في الله حسب تعبير القوم وهي المعرفة بوحدة الوجود.
          وبذلك يستنتج مما ذكرناه أن مدح شيوخ الصوفية للحيرة والاضطراب، والجنون والهذيان هو دليل دامغ على فساد العبادة الصوفية منطلقا وغاية، لأنه لا يصح شرعا ولا عقلا ولا علما مدح تلك الصفات والتنويه بها.


الهوامش

[1] السراج الطوسي: اللمع (52).

[2]ابن عجيبة: إيقاظ الهمم شرح متن الحكم (181).

[3] ابن تيمية: مجموع الفتاوى (5/57).

[4] أبو نعيم الأصبهاني:الحلية (9/374).

[5] عبد الكريم القشيري: الرسالة القشيرية (1/141).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الرد على الحيرة والاضطراب والجنون عند الصوفية.doc doc
الرد على الحيرة والاضطراب والجنون عند الصوفية.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى