الحيرة والاضطراب والجنون عند الصوفية

الحيرة والاضطراب والجنون عند الصوفية





         

الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصحبِه وَمَنْ وَالَاه وَبَعْد ... من غرائب التصوف وأهله أنهم جعلوا بلوغ الصوفي إلى مرتبة الحيرة والاضطراب والجنون من علامات الوصول، ومن مظاهر التحقق بغايات العبادة الصوفية! فمن ذلك مثلا قول أبي يعقوب إسحاق بن محمد النهرجوري:" أعرف الناس بالله أشدهم تحيرا فيه"[1]، وقال أحد معتقدي الصوفية:" أما التوحيد فهو الذي يعمي البصير، ويحير العاقل، ويدهش الثابت"[2].

          وقال أبو نعيم الأصبهاني:" أخبرني محمد بن هارون، قال: سمعت علي بن الحسين الغلاب يقول: قيل للجنيد: هل عاينت أوشاهدت؟ قال: لو عاينت تزندقت، ولو شاهدت تحيرت، ولكن حيرة فيه تيه وتيه في حيرة"[3].

          وقال أبو نعيم الأصبهاني:" حدثنا ظفر، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد، حدثني أحمد بن عبد الله بن ميمون، قال: سمعت ذا النون يقول-وقد سئل عن أول درجة يلقاها العارف- قال: التحير ثم الافتقار، ثم الاتصال، ثم انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة"[4].

          وعن الصوفي أبي بكر الشلبي أنه سئل عن المعرفة، فقال:"أولها الله تعالى، وآخرها ما لا نهاية له"[5]، وعن أبي حفص عمرو بن سلمة النيسابوري أنه قال:" منذ عرفت الله تعالى ما دخل قلبي حق ولا باطل"[6].

          وقال الصوفي ابن عجيبة:" ومنهم من يغلب عليه الدهشة والحيرة قال بعضهم: أعرف الناس بالله أشدهم تحيرا فيه، وفي الحديث:" اللهم زدني فيك تحيرا"[7].

          ومن مظاهر حيرة الصوفية واضطرابهم وقلقهم أن بعضهم بلغ به إلى الهذيان والحماقة، والجنون مع كثرة الدعاوى والغرور والتعالم، من ذلك حالة أبي بكر الشلبي، قال أبو نعيم الأصبهاني:" سمعت أبا نصر النسيابوري يقول: سمعت أبا علي أحمد بن محمد، يقول: سمعت الشلبي يقول: قوم أصحاء جئتم إلى مجنون، أي فائدة لكم في أدخلت المارستان كذا وكذا مرة، وأسقيت من الدواء كذا وكذا دواء، فل أزدد إلا جنونا"[8].

          وقال أيضا:" سمعت أبا نصر يقول: يسمعت أحمد بن محمد النهاوندي يقول: مات للشلبي ابن كان اسمه غالبا، فجزت  أمه شعرها عليه، وكان للشلبي لحية كبيرة فأمر بحلق الجميع، فقيل له: يا أستاذ ما حملك على هذ فقال جزت هذه شعرها على مفقود، فكيف لا أحلق لحيتي أنا على موجود"[9].

          ومن ذلك أيضا أن الصوفي شعبان المجذوب كان يدخل في القرآن ما ليس منه، ويقرأ كلاما مسجوعا على أنه من القرآن وهو ليس منه"[10].

          وكان الصوفي إبراهيم العريان يخطب على المنبر عريانا فيقول:" السلطان، ودمياط، باب اللوق بين القصرين، وجامع طولون، الحمد لله رب العالمين"[11].

          وآخرهم: أن الصوفي إبراهيم الدسوقي كان يقول:" أنا موسى عليه السلام في مناجاته، أنا علي عليه السلام في حملاته، أنا كل ولي في الأرض خلعته بيدي ألبس منهم ما شئت، أنا في السماء شاهدت ربي، وعلى الكرسي خاطبته، أنا بيدي أبواب النار غلقتها، وبيدي جنة الفردوس من زارني أسكنته جنة الفردوس"[12].


الهوامش

[1] أبو عبد الرحمن السلمي: طبقات الصوفية، (106).

[2] السراج الطوسي: اللمع (52).

[3] أبو نعيم الأصبهاني: الحلية (4/383).

[4] أبو نعيم الأصبهاني:الحلية (9/374).

[5] عبد الكريم القشيري: الرسالة القشيرية (1/141).

[6] المرجع السابق.

[7] ابن عجيبة: إيقاظ الهمم شرح متن الحكم (181).

[8] أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء (1/368).

[9] المرجع السابق (370).

[10] الشعراني: طبقات الصوفية (2/185).

[11] المرجع السابق (2/142).

[12] المرجع السابق.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الحيرة والاضطراب والجنون عند الصوفية.doc doc
الحيرة والاضطراب والجنون عند الصوفية.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى