إن الحاجة لتبادل العاطفة والحب والمودة هي من الحاجات الأساسية للذكر والأنثى، ولا تستقيم الحالة النفسية للإنسان إلا لما تُلبَّى كل حاجاته الأساسية وعلى رأسها الحاجة العاطفية؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم: 21].
إن السكن والمودة والرحمة فيما بين الزوجين هي الأعمدة والأركان الأساسية للحياة الزوجية العاطفية الناجحة، ولا تتحقق مع بعضها مجتمعةً إلا تحت ظلال شريعة الخالق - جل وعلا - وهدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والرغبة الجنسية بالمقابل هي أيضًا كالطعام والشراب؛ لابد من إشباعها بالوسائل المشروعة، حتى تتحقق حالة التوازن النفسي عند الإنسان.
أما العلاقات العاطفية المعنية هنا بأنها الفخ أو الشرك، فهي تلك العلاقات العمياء التي لا تسير وفق منهج الشارع في ضبط التواصل ما بين الذكر والأنثى، وتُنسج حبائلها في الظلام بعيدًا عن العُرف، وتحديًا لكل قوانين المجتمع.
لابد من إشباع الجانب العاطفي والرغبة الجنسية بوسائل تُبْعِدُ الإنسان عن حالة الصراع مع ضميره وقيمه ودينه، فحتى يبتعد الإنسان عن الشعور الحارق الطاعن بالذنب لابد أن يتحرى السبل السليمة الشرعية لإشباع عاطفته ورغباته الجنسية، هذا الأمر هامٌّ لتحقيق حالة النفس المطمئنة المستقرة الراضية لربها، وفي نفس الوقت تحقق رغباتها وشهواتها وفق منهج خالقها، دون أدنى شعورٍ بالذنب أو الكبت.
بل على العكس؛ إن إشباع الحاجة العاطفية وتحقيق الرغبة الجنسية وفق الشرع الإسلامي الحنيف هو عملٌ يُؤجر عليه صاحبه، قال صلى الله عليه وسلم: ((وفي بُضْعِ أحدِكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَهُ، ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضَعَها في حرامٍ، أكانَ عليه وِزْر؟ فكذلك إذا وضَعَها في الحلالِ، كان له أجرٌ))[1].
وهذه دعوةٌ للمحبين أن يهجروا الحب المحرم ويتصلوا بالحب الشرعي الطاهر العفيف، فانتقل من عالم الزور، ودنيا الهيام، وظلام الغرام، ومقام الآثام، إلى جنة الصدق، وروضة المعرفة، وبستان اليقين، وباحة الإيمان؛ فهذا ابن أبي مرثد هامَ - قبل أن يُسلم - بفتاةٍ وعشقها، وسكب عمره في كأس هواها، وأفرغ روحَه في كوب نجواها، وفرغ شبابه على تراب مغناها.
فلما هداه اللهُ وغسل قلبَه من أدران الهوان وأوصار المعصية، أفاق - والله - من رقدة الغفلة، ومن سَنَةِ الجهالة، ومن سَكْرَة الغي، على صوت بلال؛ فارتجف جسمه، وتهذبت روحه، وأعلن في إباء، وصاح في استعلاء: أتوب إليك يا ربِّ، وأُقْبِلُ على المصحف، وهَبَّ إلى المسجد، واستعانَ بالصبرِ والصلاةِ، وأدمن الذكرَ، وسجَّلَ رائعته في ديوان الخلود وسِفْرِ النجاة ودفتر المجد:
أأبقى غويًّا في الضلالةِ سادرًا |
كفى المرء بالإسلامِ والشيبِ ناهيًا |
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.