صور المحبة المحرمة وسبل التخلص منها

صور المحبة المحرمة وسبل التخلص منها





من صور الحب المحرم: حب المال حتى يُطْغِي الإنسان، وقد يكون الحب للصور - صور النساء -، مثلما يتعلق شخصٌ بامرأةٍ يعشقها، ويتأله قلبُه إليها، وتستولي محبتُها على قلبِه، فيصبح خيالها لا يفارقه في الليل وفي النهار وهو يصلي - إن كان يصلي مثلًا -.

تجد هذه المرأة في مخيلته وهو يدعو، تجدها بين ناظريه وهو ينام يحلمُ بها، فإذا وجدتَه سارحًا في أفكار وتأملات؛ وجدتَه يدور حولها، وهذا لونٌ من الوثنية في منتهى الخطورة؛ لأنه يأسرٌ القلبَ، وأسرُ القلبِ أخطر من أي شيءٍ آخر، فإن مأسور البدن قد يكون معذورًا، قد يكون مسلمًا أسره الكفار، وقد يتخلص منهم، ولو قُتِلَ عندهم لكان شهيدًا، لكن مأسور القلب - والعياذ بالله - على خطر عظيم.

وبعضُهم يصرِّحُ بعبوديته لهذه المعشوقة، يقول قائلهم: (لا تدعُني إلا بـ"يا عبدها" فإنه أشرف أسمائي)، وكما تكون الوثنية في تأله القلب، وولعه في عشق الصور، وكما تكون في عشق الرجل لامرأة؛ تكون أيضًا على العكس من ذلك؛ بولع وتعلق امرأة برجل، فيقع لها من اندماج القلب وانشغاله وبلباله، وتوجه جميع همه وإرادته إلى هذا الرجل؛ حتى يصبح الأبوان – مثلًا - اللذان جُبِلَ الإنسانُ على محبتهما، يصبحان عند هذا المحب - رجلًا كان أو امرأة - ليسا على بالٍ، ولا يكترث لهما، ولا يعبأ بهما، ويغفل عن أولاده، ويغفل عن أشياء كثيرة؛ لولع القلب بهذا اللون من المحبة.

وأنت لو تأملت الوسائل التي يتلقى منها الناس ثقافاتهم اليوم؛ لوجدتها تدغدغ هذه المشاعر، وتحرِّك هذه العواطف، وتحاول عبر وسائل كثيرة أن تملأ قلوب الشباب والفتيات بمعاني الحب المحرم، الذي يؤدي في حالات كثيرة إلى تعلق القلب بغير الله، فلا تكاد تسمع عن فيلم، أو تمثيلية، أو ديوان شعر؛ إلا وتجده يضرب على هذا الوتر.

ولعلكم تعرفون أنه يوجد شاعر من شعراء الدعارة والمجون، الذين لوثوا اللغة العربية بشعرهم، والذي وظَّفَ الشعر لوصف المرأة ومحاسنها، والتغزل بها، فكتب ديوانًا كاملًا اسمه (أشهد) يشهد ماذا؟ يشهد (أن لا امرأة إلا أنتِ!)، فهذا ينتسب للإسلامِ والإسلامُ منه براء ما دام على مثل هذه الحال؛ لأن الإسلام لم يعرفْ منه إلا الشتمَ؛ يشتم اللهَ عز وجل! ويشتم الأنبياءَ والمرسلين! ويشتم المؤمنين! لكن: يشهد أن لا امرأة إلا أنتِ! إذًا: فتعلق القلب بالمعشوق - أيًّا كان المعشوق - هو نوعٌ من تأله القلب وتوجهه لغير الله عز وجل، وهو في الناس اليوم كثير.

هناك شبابٌ غفلوا حتى غدت قلوبهم غُلف، كالأكواز المُجَخِّية لا تعرفُ معروفًا ولا تُنكرُ منكرًا إلا ما أُشربت من هواها ... واسأل الجدران عنهم ماذا يكتبون عليها؟! وماذا يرسمون؟! من كلمات الحب والغرام ... والعذاب والآلام ...

واقرأ ما يكتبون على دفاترهم، وفي مذكراتهم، وفوق كتبهم ... وانظر إلى ما يكتبون من عبارات الحب واللوعة والعذاب والحرقة في دورات المياه وأماكن الخلاء ... بل وانظر إلى ما ينقشون من إشارات ورموز على أكتافهم وفي أيديهم ...

وتصفَّح الجرائد اليومية والمجلات الدورية، لتقرأ فيها ما هبَّ ودبَّ، وغثَّ وهَزُل، من أشعار الغزل، وأبيات التشبيب، وقصائد اللقاء والفراق، واللوعة والاشتياق، والجراح والأفراح، والعبارات والعَبَرَات ... واسألهم عمن يحبون، وبمن يتعلقون، وفيمن يعجبون؟! فكم ستجد مَن شفَّه الوجدُ، وأضناه الغرامُ، وأمضَّه الشوقُ والهيامُ!!

وكم من سقيمٍ بصوتٍ رخيمٍ!!

وكم من هائمٍ في ملمسٍ ناعمٍ!!

وكم من كبدٍ مقروحٍة وقلوبٍ مجروحةٍ!

وربما لن يجيبك عنهم إلا الدمعُ المدرار، والعبراتُ الغزار، من شبابٍ وفتيات، يعيشون الحبَّ المحرَّم، يتعذَّبون به، ويتلوعون بمرارته، ويكتوون بحرارته ... قد نغَّصَ عليهم عيشَهم، ونكَّدَ حياتهم، فهم في جحيمه يهيمون، وبعذابه يصطلون، وبآلامه يتلوعون ... ألمٌ يجرُّ ألمًا ... وندمٌ يعقبه ندمٌ ... وسقمٌ يلحقه سقمٌ ...

يُسَمُّون أنفسهم بالمجانين ... وبهم ما هو أعظم!! جننتَ بمن تهوى، فقلت لهم: العشق أعظم مما بالمجانين، العشق لا يستفيق الدهر صاحبه، وإنما يصرع المجنون بالحين ... ينظرون إلى مسلسلات السوء، فإذا بها تتحدث عن الحب، ويسمعون في أغنيات الفساد، فإذا بها تنطق بالحب، ويقرءون في مجلات الخراب، فإذا بها تتكلم عن الحب.

فأصبح الشاب مفتونًا بالحب ... فهو يراه في الأفلام الماجنة من الممثلين الساقطين، وهم يصورونه في أحلى حلَّة وأجمل هيئة ... ويقرأ عنه في القصص الغرامية، في الكتب الفاتنة والمجلات الآثمة، التي تنكأ الجراح الغائرة، وتهيج الغرائز الفاترة ...

ويسمع به من رفاق دربه - شبابًا أو فتيات - يتحدثون عنه في نَهَم، ويتهامسون فيه بلهفة، وكلٌّ منهم يحكي عن بطولاته المجرمة ومغامراته المحرمة!! ويقرأ عن الحب في أجمل القصائد من الجرائد ... فغدا يبحث عنه، ويتمنى أن يعيشه، وأن يذوق طعمه، وأن يشتمَّ أنفاسه ... وخلا القلبُ من محبة الرب، فأدركه العطب.

"أتاني هواها قبل أن أعرفَ الهوى فصادفَ قلبًا خاليًا فتمكنا" ... فوقع الشابُّ المغرور، المغرَّر به، في معصية ربه، فأحبَّ - بطيب نفسٍ منه - أول امرأة اعترضت طريقَه أو أشارت إليه بطرفها أو هاتفته بصوتها ... وأصبح المغرمَ الولهان، والمحبَّ التائه الحيران ...

"الحب أول ما يكون لجاجةً يأتي بها وتسوقه الأقدار" ... حتى إذا خاضَ الفتى لُججَ الهوى جاءت أمورٌ لا تُطاق كِبارُ ... والبداية دلع والنهاية ولع!! تولَّع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يُطِق، رأى لجَّةً ظنَّها مَوجةً فلما تمكن منها غَرِق، فعاش العشقَ الشيطاني والحبَّ الشهواني - تحت مسمى الحب - بكلِّ ذرَّةٍ في كيانه، وأصبح قلبُه يخفق بالحب وينبضُ بالعشق ....

وقل مثل ذلك أو أكثر عن محبوبته المتيمة التي أرَّق ليلها، وأقضَّ مضجعها، وحرمها لذيذ الكرى بُعدُ حبيبها المزعوم أو التفاته إلى غيرها أو تفكيره في سواها ... فلا تسل عن حياتهم ومعاناتهم وحسراتهم وكُرُباتهم ... وأبى اللهُ إلاَّ أن يعذِّبَ من أحبَّ سواه!!

فما في الأرض أشقى من محبٍّ

وإن وجدَ الهوى حُلوَ المذاق

تراه بــاكيًا في كلِّ حينٍ

مخـــافةَ فرقةٍ أو لاشتياق

فيبكي إن نأوا شوقًا إليهم

ويبكي إن دنوا خوفَ الفراق

فتسخنُ عينُه عند الفراقِ

وتسخنُ عينُه عند التلاقي[1]

 



([1]) ومن الحب ما قتل، عبد اللطيف بن هاجس الغامدي، ص(3).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
صور المحبة المحرمة وسبل التخلص منها.doc doc
صور المحبة المحرمة وسبل التخلص منها.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى