التعريف الشرعي للتوكل

التعريف الشرعي للتوكل






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ اختلفت عبارات السلف في تعريف التوكل على الله تبعًا لتفسيره تاره بأسبابه ودواعيه، وتارة بدرجاته، وتارة بلازمه، وتارة بثمراته وغير ذلك من متعلقاته، وسبب ذلك أن التوكل عمل قلبي، فيصعب على المتكلم أن يحده بحد، أو يحصره بلفظ.
فقد عرفه الإمام أحمد بأنه (قطع الاستشراف بالإياس من الخلق)، أي لا يرجو بقلبه أحدًا فيستشرف إليه، فلا يتطلع على ما في أيدي الناس فيتعلق به ويرجوه، بل يعتمد على الله في طلب ما ينفعه، ودفع ما يضره، لا يتوجه بقلبه إلا إلى الله[1].
وقال ابن جرير: (الصواب في حد التوكل الثقة بالله تعالى والاعتماد في الأمور عليه، وتفويض كل ذلك إليه بعد استفراغ الوسع في السعي فيما للعبد الحاجة إليه م أمر دينه ودنياه على ما أمر به من السعي فيه)[2].
وعرفه الحليمي بأنه (تفويض الأمر إلى الله عز وجل، الثقة بحسن الظن بالله فيما أمر به وأباح)[3].
وقال العز بن عبد السلام: (التوكل هو اعتماد القلب على الله تعالى فيما يفعله من خير، أو يزيله من ضر)[4].
وقال ابن رجب رحمه الله: (هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكلة الأمور كلها إليه).[5]
وعرفه الإمام ابن القيم[6] بأنه (تسليم الأمر إلى من هو بيده، والاعتماد على قيامه بالأمر والاستغناء بفعله عن فعلك)، وعرفه كذلك بالاستعانة.
وعرفه سهل التستري[7] بأنه (الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد[8]
وقيل التوكل (الاكتفاء بالله تعالى مع الاعتماد عليه)[9].
وقيل التوكل (وثوقك بالمضمون واستبدالك الحركة بالسكون)[10].
وقيل هو طرح البدن في العبودية، وتعلق القلب بالربوبية، والطمأنينة إلى الكفاية فإن أعطى شكر، وإن منع صبر.
وقال أبو سعيد الخراز[11]: هو اضطراب بلا سكون، وسكون بلا اضطراب[12].
وهناك تعريف جامع هو: (الثقة بما عند الله واليأس بما في أيدي الناس). [13]
التوكل هو: صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع الدينية والدنيوية
ودفع المضار الدينية والدنيوية مع فعل الأسباب الشرعية والطبيعية المأمور تعاطيها.
والتوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة فإن الدين استعانة وعبادة فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة , والتوكل أعم من الاستعانة فالاستعانة هي الاعتماد على الله فيما يقدر عليه العبد والتوكل هو الاعتماد على الله فيما يقدر عليه العبد ومالا يقدر عليه من جلب منفعة ودفع مضرة , فالتوكل يكون في جلب المنافع ودفع المضار والاستعانة تكون على العبادة.
- فحُسن الظن بالله يدعو إلى التوكل على الله والتوكل على الله لابد فيه من حُسن الظن بالله والتوكل على الله هو تفويض قبل وقوع المقدور ورضاً بعد وقوع المقدور ومن فعل ذلك فقد قام بالعبودية.
- التوكل هو الثقة بحسن اختيار الله وقضاءه وقدره والرضا بمشيئته , والمؤمن يتوكل على ربه لعلمه بتمام كفايته وكمال قدرته وعميم إحسانه.
- التوكل هو بذل كافة الوسع في الأسباب لأمر الله بذلك مع تعلق القلب بمسبب تلك الأسباب، والاعتماد عليه بفعل ما يريد ثم ترضى بما اختاره الله لك , فليس التوكل أن يفعل الله لك ما تريده أنت دائماً، بل التوكل هو الرضا باختيار الله لك وثقتك بنصحه لك.[14]
عن عباد بن منصور، قال: سئل الحسن عن التوكل، فقال: «الرضا عن الله»[15]
حدثني محمد بن يحيى بن حاتم، قال: سألت عبد الله بن داود عن التوكل، فقال: «أرى التوكل حسن الظن»[16]
قال سهل: التوكل الاسترسال مع الله مع ما يريد.
ومنهم من يفسره بالرضا. فيقول: هو الرضا بالمقدور.
قال بشر الحافي: يقول أحدهم: توكلت على الله. يكذب على الله، لو توكل على الله، رضي بما يفعل الله.
وسئل يحيى بن معاذ: متى يكون الرجل متوكلا؟ فقال: إذا رضي بالله وكيلا.
ومنهم من يفسره بالثقة بالله، والطمأنينة إليه. والسكون إليه.
قال ابن عطاء: التوكل أن لا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب، مع شدة فاقتك إليها، ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحق مع وقوفك عليها.
قال ذو النون: هو ترك تدبير النفس، والانخلاع من الحول والقوة. وإنما يقوى العبد على التوكل إذا علم أن الحق سبحانه يعلم ويرى ما هو فيه.[17]
ولعل أصح التعاريف هو أنه (معنى يلتئم من علم العب بكفاية الله وحسن اختياره لعبده وثقته به ورضاه بما يفعله ويختاره له)[18]، أو (هو حال للقلوب ينشأ عن معرفته بالله، والإيمان بتفرده بالخلق والتدبير، واضر والنفع، والعطاء والمنع، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فيوجب له اعتمادًا عليه وتفويضًا إليه وطمأنينة به وثقة به، وبقينا بكفايته لما توكل عليه فيه).[19]
يلاحظ على هذه التعريفات أن التوكل عمل قلبي محله القلب، ومنشأه الثقة بالله وحسن الظن به، والاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه، إلا على تعريف ابن جرير الذي أدخل في التعريف الأخذ بالأسباب، والسعي فيما للعبد الحاجة إليه، وهذا طبعًا من لازم التوكل وليس هو التوكل نفسه، وهذا بيان من ه على أن التوكل والأخذ بالأسباب لا منافاة بينهما، لأن السعي في الأسباب بالجوارح طاعة لله، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، وعلى هذا النمط درج كثير من العلماء في تعريفهم للتوكل، يدخلون الأسباب في التوكل[20].
ومما يجدر الإشارة إليه، أن في التوكل تتجلى العلاقة الوثيقة التلازمية بين قول القلب وعمله، وأن بهما يحصل التوكل ويتحقق، يقول ابن القيم رحمه الله: (فإن التوكل يجمع أصلين: علم القلب وعمله.
أما علمه؛ فيقينه بكفاية وكيله، وكمال قيامه بما وكله إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك.
وأما عمله؛ فسكونه إلى وكيله، وطمأنينته إليه، وتفويضه وتسليمه أمره إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك، ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه، فبهذين الأصلين يتحقق التوكل وهما جماعه).[21]
وهكذا نرى أن التعريفات في ظاهرها الاختلاف وذلك لأن:
  • أحوال وأعمال القلوب يصعب إنضباطها بحد وحصرها بألفاظ لذلك قال الغزالي عن التوكل (غامض من حيث المعنى، شاق من حيث العمل)[22].
  • أنهم لم يقصدوا بهذه التعريفات حقيقة التعريف الإصطلاحية وإنما قصدوا بيان أهمية هذه الخصلة أو مراعاة ظروف القائل أو المستمع.
  • ولذلك جاءت تفسيراتهم وكأن في ظاهرها شيئًا من التغاير والإختلاف وهي في حقيقتها أجزاء من المعنى الكلي للتوكل أو من لوازمه وآثاره.
فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة، ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها. ولا تزال معمورة بالنازلين، لسعة متعلق التوكل، وكثرة حوائج العالمين، وعموم التوكل، ووقوعه من المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، والطير والوحش والبهائم. فأهل السماوات والأرض - المكلفون وغيرهم - في مقام التوكل، وإن تباين متعلق توكلهم. فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في الإيمان، ونصرة دينه، وإعلاء كلمته، وجهاد أعدائه، وفي محابه وتنفيذ أوامره.
فأفضل التوكل، التوكل في الواجب - أعني واجب الحق، وواجب الخلق، وواجب النفس - وأوسعه وأنفعه التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية. أو في دفع مفسدة دينية، وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله، ودفع فساد المفسدين في الأرض، وهذا توكل ورثتهم. ثم الناس بعد في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم، فمن متوكل على الله في حصول الملك، ومن متوكل في حصول رغيف.
ومن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله. فإن كان محبوبا له مرضيا كانت له فيه العاقبة المحمودة، وإن كان مسخوطا مبغوضا كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه، وإن كان مباحا حصلت له مصلحة التوكل دون مصلحة ما توكل فيه. إن لم يستعن به على طاعاته. والله أعلم.[23]
 
الهوامش:
[1] انظر: مجموع الفتاوى (10/259)
[2] شرح ابن بطال لصحيح البخاري (9/408)
[3] المنهاج في شعب الإيمان (2/5)
[4] شجرة المعارف (ص/63)
[5] جامع العلوم والحكم (2/497)
[6] هو شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، ولد سنة 691هـ، توفى سنة 751ـ، انظر: لابن رجب الحنبلي، ذيل طبقات الحنابلة، (2/447) ترجمة 452.
[7] هو سهل بن عبد الله بن يونس التستري، أحد أئمة الصوفية وعلمائها ومتكلميها، ولد عام 200هـ وتوفى 283هـ.
[8] صحيح مسلم بشرح النووي (القاهرة: دار الريان للتراث، طبعة 1407هـ) (3/92).
[9] صحيح مسلم بشرح النووي، (3/92).
[10] محمد بن علان الأشعري المالكي، دليل الفالحين شرح رياض الصالحين (مصر: مطابع مكتبة الحلبي)، (1/256)
[11] هو: أحمد بن عيسى البغدادي، توفى سنة 286هـ
[12] ابن القيم: مدارج السالكين، (2/115)
[13] الجرجاني، التعريفات، (بيروت، دار الكتب العلمية، طبعة 1403هـ)، ص 74.
[14] أبو فيصل البدراني، شفاء الضرر بفهم التوكل والقضاء والقدر، ص 32
[15] أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا،مجموعة رسائل بان أبي الدنيا كتاب التوكل على الله، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1413 هـ - 1993 م، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ص54
[16] المرجع السابق، ص 61
[17] محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين،مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة، 1416 هـ - 1996م،المحقق: محمد المعتصم بالله البغدادي، ص 115
[18] ابن القيم، الفوائد، تخريج وحواشي أحمد راتب عرموش، (طبعة 1406هـ، بيروت، دار النفائس) ص 92.
[19] ابن القيم، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تحقيق محمد الفقي (طبعة 1393هـ)، (1/82) بتصرف، وانظر لأحمد المقريزي، تجريد التوحيد (مكتبة السلام العالمية ) ص 28.
[20] انظر على سبيل المثال: ابن القيم في مدارج السالكين يقول: (وحقيقة التوكل القيام بالأسباب والاعتماد بالقلب على المسبب) (مدارج السالكين: 3/368)، وقال ابن حجر: (التوكل؛ هو قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئة الأسباب) (الفتح: 3/384)، وقال الشيخ ابن عثيمين: (التوكل هو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في حصول المطلوب، ودفع المكروه، مع الثقة به وفعل الأسباب المأذون فيها) (القول المفيد: 2/666).
[21] طريق الهجرتين (ص/ 389).
[22] الإمام الغزالي، كتاب التوحيد والتوكل، تهذيب وتعليق زهير الكبي، دار الفكر العربي، (طبعة 1991م)، ص 10
[23] أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين،مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ص 114

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
التعريف الشرعي للتوكل doc
التعريف الشرعي للتوكل pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى