إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ إن التوكل على الله تعالى له مقام عظيم، وهو من أقوى الأسباب التي تدفع المرء المؤمن إلى تحمل أقدار الله، ولا تظهر هذه المنزلة والمقام إلا عند شدة المصاب وهوله، وبهذا فإن المؤمن إذا أصابه أمر من الأمور فزع إلى الله، وتوكل عليه وأناب فالتوكل في كل خطوة من خطوات المؤمن هو حق واجب وعقيدة وخلق، فالتوكل من لوازم الإيمان.
قال تعالى: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[1]، وقوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }[2] ، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[3].
والتوكل على الله هو أساس من أسس التوحيد وركن من أركانه، لأن أكثر العبادات تتفرع عنه، والمرء يطمئن إلى تلك العقيدة وهذا الخلق؛ لأنه يعرف أن ما وراءه هو لصاحب الأمر والتدبير سبحانه، (والتوكل جامع لمقام التفويض والاستعانة والرضا لا يتصور وجوده بدونها)[4].
وهو "الأصل الجامع الذي تتفرع عنه الأفعال والعبادات وهو خلاصة التقرير ونهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف من المحبة والخوف والرجاء والرضا به ربا وإلها، والرضا بقضائه بل ربما أوصل العبد إلى التلذذ بالبلاء وعده من النعماء"[5].
ومن فضل التوكل أنه سبحانه سمى نفسه الوكيل.
قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[6].
وقال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[7]، وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [8]
ومن فضل التوكل أنه تعالى أمر به في أكثر من موطن في كتابه العزيز: قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[9]، وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[10]
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[11]، وغيرها من الآيات الكثيرة التي حثت وأمرت بالتوكل عليه سبحانه.
الهوامش:
الهوامش:
[1] [المائدة: 23]
[2] [آل عمران: 122]
[3] [آل عمران: 160]
[4] ابن القيم، مدارج السالكين، ص 1/136
[5] سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب، تيسير العزيز الحميد، شرح كتاب التوحيد ( المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة) ص110.
[6] [النساء: 132]
[7] [النساء: 171]
[8] [الإسراء: 65]
[9] [آل عمران: 159، 160]
[10] [النساء: 81]
[11] [المائدة: 11]
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.