قصة توبة داود عليه السلام

قصة توبة داود عليه السلام






إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ قال الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 21 - 25].
لما ذكر تعالى أنه أتى نبيه داود عليه السلام الفصل في الخطاب بين الناس، وكان معروفًا بذلك مقصودًا، ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما الله فتنة لداود، وموعظة لخلل ارتكبه، فتاب الله عليه وغفر له، وقيض له هذه القضية، فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} فإنه نبأ عجيب {إِذْ تَسَوَّرُوا} على داود {الْمِحْرَابَ} أي: محل عبادته من غير إذن ولا استئذان، ولم يدخلوا عليه من الباب، فلذلك لما دخلوا عليه بهذه الصورة، فزع منهم وخاف، فقالوا له: نحن {خَصْمَانِ} فلا تخف {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} بالظلم، {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} أي: بالعدل، ولا تمل مع أحدنا {وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}.
والمقصود من هذا، أن الخصمين قد عرف أن قصدهما الحق الواضح الصرف، وإذا كان ذلك، فسيقصان عليه نبأهما بالحق، فلم يشمئز نبي الله داود من وعظهما له، ولم يؤنبهما[1]، قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}.
ومحصل قصة توبة داود عليه السلام أنه كان يعبد الله عز وجل في محرابه – أي مسجده – فدخل عليه رجلان في غير وقت القضاء، وطلبا منه الحكم فيما بينهما من خصومة، فقال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة، فأراد أن يضمها إلى نعاجه وغلبني في المكالمة.
فبادر داود عليه السلام بالحكم له دون أن يسمع حجة الآخر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول)[2].
وبعد أن حكم داود هذا الحكم وأيقن داود عليه السلام أننا فتناه بهذه الخصومة، فاستغفر ربه، فخر ساجدًا لله عز وجل تائبًا إليه، في قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}، فغفر الله عز وجل له ذلك، وجعله الله من المقربين عنده، وأعد له حسن المصير في الآخرة، فقال تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}.
وهذا الذنب الذي صدر من داود عليه السلام، لم يذكره الله لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتعرض له من باب التكلف، وإنما الفائدة ما قصه الله علينا من لطفه به وتوبته وإنابته، وأنه ارتفع محله، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها[3]، وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} أي: وإن له يوم القيامة لقربة يقربه الله عز وجل بها وحسن مرجع وهو الدرجات العاليات في الجنة لتوبته وعدله التام في ملكه.[4]
قال القرطبي في معنى {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} أي سجد ومعنى السجود أن دواد سجد خاضعًا لربه، معترفًا بذنبه، تائبًا من خطيئته، فإذا سجد أحد فيها فليسجد بهذه النية، فعل الله أن يغفر له...، وسواء قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟ فإن هذا أمر مشروع في كل أمة لكل أحد[5]، والله أعلم.


الهوامش:
[1] تفسير السعدي (1/711)
[2] المستدرك على الصحيحين للحاكم مع تعليقات الذهبي في التلخيص، باب كتاب الأحكام (4/105)، رقم الحديث (7025)، ومسند أحمد (2/142)، رقم الحديث (745)
[3] تفسير السعدي (1/711)
[4] تفسير ابن كثير (7/62)
[5] تفسير القرطبي (15/156- 157)

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
قصة توبة داود عليه السلام doc
قصة توبة داود عليه السلام pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى