الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فيرادف التوبة لفظان آخران؛ هما: الاستغفار والإنابة، وإليك تعريفًا مختصرًا بهما:
أولًا ـ الاستغفار:
وهو لغة: طلب المغفرة، كالاستعانة: طلب العون، والاستعاذة: طلب العياذ.
أما في الشرع فالمراد به: طلب المغفرة من الله عزوجل، وهي وقاية شرِّ الذنوب مع سترها، والاستغفار قد يكون بالقلب، وقد يكون باللسان، فالاستغفار القلبي هو طلب المغفرة بالقلب، والاستغفار باللسان هو الدعاء بطلب المغفرة، ويكون بنحو قول المستغفر: "أستغفر الله، اللهم اغفر لي".
والاستغفار مما يكمل التوبة ويتممها، وهو مأمورٌ به كالتوبة، فالتائب إذا عاد إلى الله عز وجل وإلى طلب رضاه؛ فعليه أن يطلب منه أن يغفرَ له ما تقدم من ذنوبه، ولابد من ذلك حتى تكون التوبة خالصة، وحتى يكون صاحبها بعيدًا عن آثار ماضيه الأثيم.
ولهذه الرابطة القوية بين التوبة والاستغفار لا تكاد تجدهما منفصلين في النصوص الشرعية في الكتاب والسنة كما سنرى عند ذكر الآيات والأحاديث في التوبة، فيُقال عنهما: "إذا افترقا اجتمعا"؛ فإذا ذُكر الاستغفار وحده في سياق دخلت معه التوبة، وإذا ذُكرت التوبة وحدها شملت الاستغفار، فالتوبةُ تتضمن الاستغفارَ، والاستغفارُ يتضمن التوبةَ، فكل واحد منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق.
و"إذا اجتمعا افترقا"؛ فعند اقتران أحد اللفظين بالآخر كما في قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3]، يكون الاستغفار: طلب وقاية شر ما مضى، وتكون التوبة: الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل([1]).
ويرى بعضُ العلماء أن الاستغفار عبارة عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنب بالقلب والجوارح([2]).
ثانيًا ـ الإنابة:
وهي لغة: الرجوع كالتوبة، يُقال: أناب إلى الله إذا تاب إليه ورجع إلى الطاعة([3]).
وفي الشرع: هي الرجوع إلى الطاعة والنزوع عن المعصية.
لكن الإنابة في مفهومها العام لها معنيان:
المعنى الأول: وهو الذي ذكرنا، أنها بمعنى التوبة؛ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34]، أو أنها منزلة بعد التوبة، فإن كانت التوبة رجوعًا إلى الله بالاعتذار والإقلاع عن معصيته، فالإنابة تتمة ذلك، فهي: رجوعٌ إلى الله بالاجتهاد، والنصح في طاعته([4]).
والمعنى الثاني: أنها بمعنى العبادة؛ كما قال تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10]، لأن العبادة رجوعٌ إلى الله واعترافٌ باستحقاقه للعبادة، وعودة إلى المنهج الذي أمر بسلوكه، وهذه هي الإنابة بهذا المفهوم([5]).
ومن كلام ابن القيمة - رحمه الله - يُلاحظ التفرقة بين التوبة والإنابة، فالتوبة والإنابة كلٌّ منهما رجوع إلى الطاعة وعدول عن طريق المعصية، لكن التوبة في الغالب تُطَلق إزاء الذنوب، فيُقال: (تاب من الذنب)، والإنابة تُطلق على التزام الطاعة، وتُطلق على ما يعم الدين كله وهو العبادة.
ومهما يكن من أمر، فإن الإنابة وقعت كثيرًا موقع التوبة في نصوص الكتاب والسنة - كما سيأتي - ومن هنا أدرجتُها تحت التوبة، والله أعلم.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.