النجاة من عذاب النار من آثار التوبة وثمارها

النجاة من عذاب النار من آثار التوبة وثمارها






إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ النجاة من عذاب النار مطلب مهم جدًا، مطلب رئيس عند كل مسلم ذلك أن النجاة من النار تعني الفوز بالجنة، لأن المولى عز وجل جعل دارين للجزاء لا ثالث لهما، فإما إلى الجنة والنعيم المقيم، وإما إلى النار والبوار والعذاب الأليم.
وقد أشار القرآن إلى هذه المعاني بعبارة جامعة موجزة حين قال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [آل عمران: 185]
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب النار ويعلم أن أصحابه ذلك: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)[1].
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)[2].
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن النجاة من النار، ودخول الجنة، هي شغل كل مسلم، ومطلب كل راج ودعوة كل سائل.
فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه قال لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد؛ ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ودندنة معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حول ذلك ندندن أنا ومعاذ)[3].
والنجاة من النار ثمرة من ثمرات التوبة، وأثر من آثارها المباركة الكثيرة، فقد بين سبحانه في آيات عديدة وعده للتائبين بالنجاة من النار.
قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 59، 60]
فاستثنى المولى عز وجل التائبين من هذا الوعيد الشديد، الذي توعد به من أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فلن يقلون غيًا، ولكن سيدخلون الجنة بفضل الله ورحمته، وغيًا: واد في جهنم بعيد قعره، خبيث طعمه[4]، أعاذنا الله منه بفضله ورحمته.
ونار جهنم التي توعد الله بها أعداءه، من الكفرة والمجرمين والطغاة، تزيد على نار الدنيا بتسعة وستين جزءًا.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ناركم هذه التي يؤقد ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من حر جهنم)، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: (فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلها مثل حرها)[5].
فمن يصبر على عذاب النار، أو يحتمل شدتها، أو يطيق حرارتها؟! إذا كان أقل أهلها عذابًا؛ يظن أنه أشد أهل النار عذابًا! كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه؛ كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا)[6].
فإذا كنا لا نستطيع الصبر على عذابها – أعاذنا الله منها – فلنسارع إلى التوبة والإنابة لندخل في زمرة هذا الوعد الكريم: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 60]
وقد تكرر هذا الوعد الكريم بانجاء التائبين من النار في آيات أخرى أيضًا.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان: 68 - 70]
فقد توعد الله عز وجل هذه الأصناف المذكورة في الآية بالعذاب الشديد، وتوعدهم كذلك بمضاعفة العذاب يوم القيامة، ولم يستثن منهم إلا التائبين، فلن يلقون آثامًا، ولن يضاعف لهم العذاب، بل سيغفر الله لهم، ويبدل سيئاتهم حسنات، ويعفو عنهم.

الهوامش:
[1] أخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة 2/93.
[2] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر 2/103 واللفظ له، ومسلم في كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة 2/93، والترمذي في كتاب الدعوات برقم  3599.
[3] أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب تخفيف الصلاة برقم 793، وأخرجه الإمام أحمد في المسند 3/474.
[4] تفسير الطبري 16/75، معاني القرآن للنحاس 3/341.
[5] أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة 4/88، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها، وهذا لفظه 8/149- 150.
[6] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، ص 7/203.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
النجاة من عذاب النار من آثار التوبة وثمارها doc
النجاة من عذاب النار من آثار التوبة وثمارها pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى