الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ يكثر اللغظ والتوهم في باب الأسباب والناس فيه على أقسام: "منهم من ينكر الأسباب، كالجبرية، ومنهم من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سببا وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم، ومنهم من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها لكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثتبه الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وصلى الله عليه وسلم، سواء كان سببا شرعيا أو كونيا، ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله إيمانا حقيقا وآمنوا بحكمته، حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها، والعلل بمعلولاتها، وهذا من تمام الحكمة"[1]، وبذلك يتضح أن الأسباب من حيث الحكم الشرعي تنقسم إلى نوعين:
أسباب مشروعة: وهي التي تثبت بطريق شرعي أو قدري، أي تثبت من خلال النصوص والأدلة الشرعية، أو ثبت نفعها من خلال التجارب الحسية[2].
وثبوت السبب من خلال التجربة لابد أن ينضبط بضوابطه إذ ليس كل من قال بثبوت سبب تصدق دعواه، فقد يكون متوهما أو مدعيا، إذ "العلم بأن هذا كان هو السبب أو بعض السبب أو شرط السبب، فهو هذا الأمر الحادث قد يعلم كثرا، وقد يتوهم كثيرا وهما ليس له مسند صحيح، إلا ضعف العقل"[3]، فلابد من ثبوت السبب من خلال التجربة أن يكون ظاهرا بينا كما لو اكتوى بنار فبرئ، فخرج بذلك مجرد الشعور النفسي المبني على اعتقاد مسبق كن يتوهم الانتفاع بلبس الحقة والخيط في دفع مرض لاعتقاد سابق لديه بنفعها[4].
ولعله يستثنى من ذلك ما استفاض العلم بتأثير نوعه من المحسوسات كالمطعوم والمشروب، فهذا لا يلزم اختبار أفراده، وإنما يكفي في ذلك غلبه الظن، بخلاف ما لم يثبت تاثير نوع كالتعليق أو النظر أو العلاج بطاقات خفية[5].
أسباب ممنوعة: وهي التي لم تثبت بطريق شرعي ولا كوني، فما لم يثبت بدليل شرعي، ولا بتجربة منضبطة، يحرم اتخاذ سببا، لأن كل من أثبت سببا لم يثبت شرعا بالنص، ولا كنا بالتجربة فقد جعل نفسه شريكا مع الله ويختلف ذلك باختلاف اعتقاد صاحبه فإن اعتقد أنه سبب مؤثر بنفسه دون الله فهو مشرك شرك أكبر في توحيد الربوبية، وإن اعتقد أنه سبب ولكنه غير مؤثر بنفسه بل بقدرة الله كان ذلك شركا أصغر لاتخاذه سببا لم يجعله الله سببا، ودلل شرك الأسباب قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38].
والشاهد من هذه الآية أن الأصنام لا تنفع أصحابها لا يجلب نفع ولا يدفع ضر، فليست أسبابا لذلك، فيقاس عليها كل ما ليس بسبب شرعي ولا قدري، فيعتبر اتخاذه سببا إشراكا بالله[6]، ومن الواهنة، فقال:" أما إنها لا تزيدك إلا وهنا انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا"[7]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من تعلق تميمة فقد أشرك"[8]، وهذا فيه دليل على أن استخدام الأسباب التي لم تثبت في الشرع ولا بالتجربة لا ينتفع بها الإنسان، واستخدامها لدفع البلاء أو رفعه من الشرك، ونوع الشرك يختلف بحسب اعتقاد صاحبه فقد يكون أكبر أو أصغر كما أشرنا سابقا[9].
وبناء على ما سبق، فكل سبب ثبت بدليل شرعي فهو سبب ثابت وصحيح وليس بمفتقر لدليل تجريبي أو علمي، أما لم ما لم يثبت بطريق شرعي فلا يعتد به كسبب صحيح حتى يثبت بتجربة منضبطة ويخلو من معارض لأصول الشريعة الإسلامية وأحكامها، وفيما يتعلق بموضوعنا وهو "الطاقة الكونية وتطبيقاتها العلاجية-الريكي، والعلاج البراني" فمن الجلي الواضح أنها ليست من النوع الأول من الأسباب التي ثبتت بدليل شرعي، فهل يمكن أن تعد من النوع الثاني من الأسباب والتي ثبتت بطريق التجربة الواضحة؟ فيما يلي مناقشة ذلك على ضوء ماهيتها، ودعاوى المتبين لها، والمنهج العلمي المتبع لاختبار الدعاوى العلمية.
من خلال الاستعراض السابق لمفهوم الطاقة الكونية وتطبيقات العلاج المرتبطة بها سواء ما سمي بـــــ الريكي أو العلاج البراني، يتضح بأن "الطاقة الكونية" التي يتم العلاج بها ليست أمرا ظاهرا محسوسا يمكن تمييزه ومعرفه أثره كالكي-مثلا- أو التجبير، أو ما اشتهر تأثيره ونفعه من الأشربة حيث يمكن لأفراد الناس تمييز حقيقة ومعرفة أثره بل الأصل فيها الخفاء حتى من يتبنى الترويج لتطبيقات الطاقة كالريكي والعلاج البراني لا يعنى بالحديث عن ماهيتها بل يتركز الحديث على كيفية العمل بها ومن ثم تأثيرها والذي غالبا ما يشمل العلاج من جميع الأمراض، وتطبيقاتها في الأغلب تعتمد على التخيل ولإحساس فعلى سبيل المثال يتخيل المعالج أن يقوم بتنظيف المنطقة المصابة عن طريق تمرير يديه حول المريض بطريقة معينة لينفض يديه بعد ذلك، زاعما أنه بهذا الفعل يتخلص من طاقة المرض السلبية والتي لا يمكن لأحد رؤيتها أو تحديد ماهيتها، حتى وإن استخدمت بعض الماديات في تطبيقاتها كالكريستال أو الأحجار فإنها لابد وأن تربط بتخيلات وأمور غير محسوسة كتخيل أن طاقة العلاج تعبر من خلال الكريستال إلى المريض.
وادعاء ثبوت تأثير تطبيقات العلاج بالطاقة الكونية لا يمكن أن يكون مستقلا عن ثبوت أصلها وحقيقتها لذلك فإنه يستلزم من ادعاء أن "الطاقة الكونية" سبب حقيقي قدري وليس بوهمي اتباع خطوات المنهج العلمي المعاصر لإثبات حقيقتها وتأثيرها، إذ أن ذلك يعد الحد الفاصل بين العلم الحقيقي والوهمي أو المزيف، وبما أن العلاج بالطاقة الكونية وتطبيقاتها لا يمكن اختباره باعتبار خصائص مكوناته وتأثيرها كالأعشاب والزيوت ونحوها من المركبات الدوائية، بل على اعتبار إثبات حقيقته الخفية المزعومة، والتي يمكن إدراجها-إن صح التعبير- في إطار الدعاوى المتعلقة بالسنن والنظم الكونية والتي لابد من ثبوت حقيقتها وبالتالي شرعية استخدام تطبيقاتها والمتمثل بالقدرة على قياس تطبيقاتها واستخدامها إلى تجاوز خطوات المنهج العلمي والمتمثل بما يلي[10]:
1-"الاحتمالات" وتطلق على التفسيرات المتعددة.
2- "الفرضية" وهي التفسيرات أو الاحتمالات المرجحة، لا تكون ذات قيمة علمية إلا إذا استندت إلى حقائق جزئية أو أيدتها حقائق مؤكدة وقوية كالنظريات.
3- "النظرية" وتطلق على التفسيرات المقبولة مؤقتا، والقابلة للنقض، ولا يطلق وصف النظرية إلا إذا صمدت التجربة أما الاختبار في مرحلة الفرضية.
4- "القانون أو السنة الكونية أو الحقيقة" ويطلق على التفسيرات اليقينية وشبه اليقينية.
وباستعراض خطوات المنهج العلمي يتضح ما يلي:
-أن ما يسمى الطاقة الكونية وتطبيقاتها العلاجية لم تستوف خطوات المنهج العلمي ولم تتجاوز المراحل الأولى والتي لا تتعدى مجرد الاحتمالات.
- اتخاذ المروجين للطاقة وتطبيقاتها العلاجية إجراءات معاكسة للمنهج العلمي الصحيح ويظهر ذلك من خلال الجزم بصحة مفهوم الطاقة والترويج لتطبيقاتها العلاجية على أنها حقائق ثابتة ثم البحث عما يسندها من ناحية علمية، فتجد بعضا ممن يروج لتطبيقات العلاج بالطاقة ويدعي ثبوتها علميا يقول:" بأنه يجري بعض الأبحاث لإثبات بعض أشكالها، أو أن لديه بعض الأبحاث الخاصة" دون أن يكشف عنها، أو يضعها تحت مجهر التقييم العلمي من قبل العلماء والمختصين.
-الاعتماد على تجارب فردية غير منضبطة وتعميمها لإثبات دعوى جدوى وفاعلية تطبيقات الطاقة العلاجية.
-تصريح المروجين لمفهوم الطاقة الكونية بأنها وتطبيقاتها لا تخضع للتجربة والاختبار[11]، وأنها تثبت بطرق خاصة تسمى "استبصارية" [12] وهي أحد أشكال ما يسمى "الإدراك الحسي الخارق والذي صنف ضمن العلوم الزائفة والوهمية[13] ويعتمد على المصادر الإزوتيركية في تلقي لعلوم وإثباتها ويقصد بها: "التعاليم الخفية المنحصرة في طائفة محدودة"[14]، وهي من الطرق الباطنية التي تهدف إلى إيجاد معرفة متكاملة عن الوجود والكون والحياة عن طريق التلقي المباشر من مصدر المعرفة، وهو الإله عند من يؤمنون بإله أو القوة الخفية والغيبية عند الملحدين والفلاسفة[15]، وهذه الطرق في حملتها غير مشروعة، وهي في حقيقتها ترخصات وأوهام، بل هي ادعاء لعلم الغيب بوسائل مختلفة كقراءة الرموز، وزعم التواصل مع أرواح من لهم مكانة من الأموات، وهذا هو عينه أحد وسائل المعرفة في العلاج البراني كما يقول زعيمة " تشو كوك"[16]، ومحادثة الأرواح وسؤالهم "كلها أعمال شيطانية وشعوذة باطلة داخلة فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الكهنة والعرافين وأصحاب التنجيم ونحوهم"[17]، " وأي عمل قوم به المداوي لا تفسير له، ليس له اصل شرعي، وغير مفسر بأمر علمي أو عقلي فهو نوع من الدجل"[18]، وبناء عليه فكل ما تمخض عن هذه الطرق الباطنية من زاعم لا يعد من الأسباب المشرعة التي يجوز العمل بها كونها لم تعتمد في ثوبتها على أدلة شرعية ولا تجريبية، بل على وسائل مجهولة تدعي المعرفة الغيبية.
أما في حال الادعاء بأن الطاقة الكونية هي ذاتها: "الطاقة الثابتة علميا-الفيزيائية أو الكيميائية" فإن هذا مناقض للحقيقة ذلك ما يلي[19]:
يمكن تعريف الطاقة المثبتة علميا بأنها: "المقدرة على القيام بشغل يحدث تغييرا يمكن قياس أثره من خلال التحول من شكل لآخر" فالبطارية على سبيل المثال هي نتاج تحول الطاقة الكيميائية إلى كهربائية كما أن قياس أثر الطاقة الشمسية في أحد أشكاله يكون بحوله إلى طاقة كهربائية، وقياس الطاقة أيا كان نوعها لا يتم إلا من خلال حسابات رياضية، لا من خلال أجهزة يمكنه الاستقلال بقياس طاقة ما، ومن خلال ذلك يتضح بأن الادعاء بأن ما يسمى "الطاقة الكونية" المستخدمة في العلاج البراني أو الريكي أو غيرها من التطبيقات العلاجية هي نفسها الطاقة المثبتة علميا هو ادعاء باطل وغير صحيح إذ أنها لا تتحول من شكل لآخر حتى يمكن معرفة نوع هذا التحول أو قياس أثره فضلا على أن يقال بأن هناك جهاز يمكنه تصوير أو قياس طاقة الإنسان كما يدعي من يروج لذلك من المعالجين بما يسمى-الطاقة الكونية- إذ الطاقة العلمية الثابتة لا يقاس أثرها بالأجهزة.
وعلى المستوى العلمي والتنظيمي العالمي فقد صنف الريكي كأحد العلوم الزائفة، وتم استعراضه في موسوعة العلوم الزائفة "Encyclopedia of Pseudoscience" وعليه رفضت الجهات التنظيمية البريطانية ما يزيد عن خمسة ادعاءات صحية متعلقة بالريكي لعدم ثبوتها علميا[20].
وبناء على ما سبق يتضح بأن الادعاء بأن "الكي-التشي-والبرانا" والتي اصطلح على تسميتها "طاقة كونية" هي نفسها الطاقة العلمية الثابتة هو شكل من استغلال العلم والاقتيات منه، وعدم ثبوت هذا الشكل من دعوى الطاقة بطريق علمي لا يعني انتفاء إمكانية ثبوتها في المستقبل إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون بالصورة الحالية المشوبة بالرؤى الفلسفية، وأشكال الطقوس الوثنية كالتأمل والرموز الشكلية واللفظية...الخ.
ونحن نناقش التطبيقات العلاجية من منظور شرعي فإن استعراض صحتها وانضباطها من الناحية العلمية لا يخرج عن ذلك، إذ أن ادعاء العلاج بما لم يثبت هو شك من أشكال الخداع والغش وخيانة الأمانة والتي تعد مخالفة لنصوص الشريعة الإسلامية وأحكامها التي أوجبت الصدق والأمانة وحرمت الغش والكذب والخيانة.
كما أن عدم ثبوت ما يسمى الطاقة الكونية: "تشي، بارا، كي" وتطبيقاتها العلاجية بطرق علمية تجريبية ليس المانع الوحيد من اتخاذها سببا مشروعا، فالنظر في مفهوم ما يسمى "الطاقة الكونية" وتطبيقاتها العلاجية المتمثلة في الريكي والعلاج البراني يجد أنها متضمنة لجملة من المخالفات لأصول الشريعة وأحكامها.
الهوامش:
[1] انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، محمد العثيمين (1/164-165).
[2] فقراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء، أما السبب اقدري فهو ما ثبت بالتجربة نفعه، مثل: تناول المسهل سبب (حسي) قدري لانطلاق البطن لأنه علم بالتجربة، القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين (1/164).
[3] اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية (2/713).
[4] القول المفيد على التوحيد (1/165).
[5] التطبيقات المعاصرة لفلسفة الاستشفاء الشرقية، هيفاء الرشيد (571).
[6] القول المفيد على كتاب التوحيد (1/168).
[7] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (17422)، (28/637)، علق عليه الأرنؤوط، حديث حسن، في إسناده ضعف.
[8] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (20000)، (33/204)، علق عليه الأرنؤوط: إسناده قوي.
[9] القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين (1/170-171).
[10] انظر: قواعد أساسية في البحث العلمي، سعيد اسماعيل (80-84).
[11] الريكي سؤال وجواب، شريف هزاع (13).
[12] كما يدعي "تشو كوك سوي" مؤسس العلاج البراني، في أكثر من موضع من كتبه.
[13] الطفرات العلمية الزائفة، تشارلز ام- آثر دبليو (146-147).
[14] المعجم الفلسفي، مراد وهبة (201).
[15] أصول الإيمان بالغيب وآثاره، فوز كردي (169).
[16] يعزو تشو كوك بعض معلوماته إلى معلمه (كي لينغ) والذي يتواصل معه روحيا نظريا لوفاته السابقة لولادة (تشو كوك).
[17] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، ابن باز (3/309-316).
[18] شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ناصر العقل، دروس صوتية (36).
[19] انظر:" الرد العلمي على خرافة قانون الجذب والذبذبات والطاقة، طلال العتيبي، 4talal.blogspot.com/2014/01/blog-post.html
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.