المخالفاتُ العقديةُ التي يتضمنُها الريكي والعلاجُ البراني (1)

المخالفاتُ العقديةُ التي يتضمنُها الريكي والعلاجُ البراني (1)





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
الجزمُ والتصديقُ بمفاهيم فلسفيةٍ ذات أصولٍ إلحادية؛ وَمِنْ تلكَ المفاهيم:
أ - الطاقةُ الكونيةُ، ين/يانغ، الشاكرات:
ومنْ خلالِ الاستعراض السابقِ لتلكَ المفاهيمَ فقدْ تبينَ بما لا يخفى ارتباطُ المفاهيمَ بمعتقداتٍ فلسفيةٍ حولَ أصلِ الكونِ ونشأتِه، فالخلقُ والإيجادُ الذي لا يُنسبُ إلا للهِ - عزَّ وجلَّ - نسبَه فلاسفةُ الشرقِ إلى التناسلِ والتوليدِ، فـ"الين يانغ" ما هي إلا تولدٌ عنْ الطاو أو الطاقةِ الكونية([1])، والتي هي عبارةٌ بديلةٌ ولا دينيةٌ للتعبيرِ عنْ "الطاقة الإلهية"([2]).
كما أنَّ مبدأَ "البرانا" في الفلسفاتِ الهنديةِ - وهوَ أحدُ المعاني التي يُعَبَّرُ بها عنْ مفهومِ الطاقةِ الكونيةِ - قدْ اختلفَ الهندوسُ في أصلِه هلْ هوَ متولدٌ عنْ البراهمان، أو أنَّه أزلي([3])، وهذا الارتباطُ بينَ مفهومِ الطاقةِ بمرادفاتِه "التشي والبرانا" وبينَ الخلقِ والإيجادِ يجعلُه مِنْ أشكالِ الإلحادِ؛ كونه: (يقومُ على عدميةٍ، أساسُها إنكارُ وجودِ اللهِ الخالقِ سبحانه وتعالى)([4]).
أو نسبةِ شيءٍ منْ خصائصِه إلى غيرِه سبحانه، وقدْ حذرَ اللهُ سبحانه من الإلحادِ في أسمائِه وآياتِه، ورتبَ الوعيدَ على ذلكَ؛ قالَ تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 18].
ومن الإلحادِ في أسماءِ اللهِ وصفاتِه وصفُ غيرِه وتسميتُه بما لا يصحُّ إلا له سبحانه([5])، كما أنَّ من الإلحادِ في آياتِ اللهِ الكونيةِ اعتقادَ أنَّ أحدًا سوى اللهِ منفردٌ بها أوْ ببعضِها([6])، وقدْ جاءَ الوعيدُ على ذلكَ؛ قالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40].
وأما "الشاكرات"؛ ففضلًا عنْ كونِها وسيلةً افتراضيةً مزعومةً لتحقيقِ الوحدةِ والاتصالِ مع المُطلقِ، سواء سُمي الطاقةَ أوْ البرهمان أوْ اللهَ، ومنْ ثمَّ بلوغ الاستنارةِ المزعومةِ، فهي أيضًا مرتبطةٌ عندَ الهندوسِ بالآلهةِ، فكلُّ شاكرا تحملُ خصائصَ أحدِ الآلهةِ، كما سبقَ توضيحُ ذلك.
ب - وحدةُ الوجودِ:
وحقيقتُه: (الاعتقادُ بأنَّ وجودَ المخلوقِ هو عينُ وجودِ الخالقِ، وهذا تعطيلٌ للصانعِ وجحودٌ له)([7])، ويُعَرَّفُ بأنَّه: (مذهبٌ فلسفي لا ديني، يقولُ بأنَّ اللهَ والطبيعةَ حقيقةٌ واحدةٌ، وأنَّ اللهَ هو الوجودُ الحقُّ، ويعتبرونه - تعالى اللهُ عما يقولون علوًّا كبيرًا - صورةَ هذا العالمِ المخلوقِ، أمَّا مجموعةُ المظاهرَ الماديةِ فهي تعلنُ عنْ وجودِ اللهِ دون أنْ يكونَ لها وجودٌ حَقٌّ)([8]).
والاعتقادُ بوحدةِ الوجودِ يظهرُ أيضًا عندَ منْ لا يؤمنُ بوجودِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ عليه فإنَّ وحدةَ الوجودِ يُعَبَّرُ بها عن (أي نظريةٍ تقولُ بوجودِ جوهرٍ واحدٍ فحسب، أوْ عالَمٍ واحد، أوْ أنَّ الواقعَ الخارجي واحدٌ ...، أي أنه لا يتغيرُ ولا ينقسمُ ولا يتمايزُ)([9]).
والاعتقادُ بوحدةِ الوجودِ هو السمةُ المشتركةُ بينَ الدياناتِ والفلسفاتِ الشرقيةِ، كالهندوسية والطاوية والبوذية، وإدراكُ هذه الوحدةِ يكونُ بالسعي نحو الاتحادِ مع هذا المُطلقِ أيًّا كانَ، وهذا غايةُ مرادِهم، فيظنون أنهم بذلكَ يدركون الحقائقَ بالإلهاماتِ والكشوفاتِ، ويتملكون المعجزاتِ بالقدرةِ على الشفاءِ باللمسِ ونحوِه.
وهذا يظهرُ جليًّا في "الريكي والعلاج البراني"، إذْ أنَّ تمكنَ المعالِجِ وقدرتَه على المعالجةِ بـ"الطاقة أو البرانا" لا يتمُّ إلَّا بعدَ ممارسةِ عددٍ مِن الطقوسِ التدريبية التأمليةِ، التي تهدفُ إلى الاندماجِ مع الطاقةِ.
ففي المرحلةِ الأولى مِنْ مراحلَ التدريبِ على الريكي، يتلقى المتدربُ عددًا من التمارينِ التي تهيئُ الجسدَ لاستقبالِ وتلقي ما يُسمى "الطاقة الكونية"، وإيجادِ رابطٍ أبدي بينَ الجسدِ والطاقةِ([10])، وتمرينُ "ريجو-هو" - وهوَ أحدُ تمارينِ الاستعدادِ لتقديمِ جلسةِ الريكي - يهدفُ إلى الربطِ مع طاقةِ الريكي، ويتضمنُ الجزءُ الأولُ منه طلبَ الممارِسِ مِنْ طاقةِ الريكي والولوجِ والدخولِ إلى جسدِه([11]).
ويعملُ منهجُ الريكي على فتحِ التواصلِ مع الجزءِ العلوي من الوعي، والذي تختزنُ فيه كُلُّ المعرفةِ الكونيةِ - بزعمهم - مِنْ خلالِ تواصلِ هذا الوعي مع الروحِ والنفسِ العليا([12])، و - بحسبِ مزاعمَ مؤسسِ العلاجِ البراني - تُمَثِّلُ شاكرا التاج - وهي مركزٌ افتراضيٌّ لتجمعِ الطاقةِ - نقطةَ دخولِ الطاقةِ الإلهيةِ أو الطاقةِ البرانية، إذْ يُفْتَرَضُ أنها مركزٌ للوعي الكوني، والذي قَدْ يُطْلَقُ عليه مركزَ الوعي البوذي أو المسيحي([13]).
وهذا يتمُّ عنْ طريقِ ممارسةِ بعضِ أشكالِ التأملِ، والتي تسهمُ في تحسينِ درجةِ الاتصالِ بالروحِ العليا، وبقدرِ المحافظةِ على هذا الاتصالِ يحصلُ الكمالُ وتتحققُ الصحةُ([14])، ولتحقيقِ ذلكَ يُسْتَخْدَمُ ما يُسمى "توكيد الأنا"، يتمُّ مِنْ خلالِه ترديدُ بعضِ العباراتِ الإلحاديةِ، التي يتمُّ مِنْ خلالِها التأكيدُ على الاتصالِ وَالاتحادُ بالروحِ العليا، ينتهي بتأكيدِ تحقيقِ الكمالِ لذاتِه، عياذًا باللهِ منْ هذه الدعاوى، والتي توضحُ مدى انحراف مسارِ هذه الأنواع مِن العلاجِ التي لا تقومُ إلَّا على أوهامٍ فلسفيةٍ ودعاوى غيبيةٍ.
والاعتقادُ بوحدةِ الوجودِ منْ مذاهب الإلحادِ، وقدْ عدَّ جمعٌ من العلماءِ أنَّ مَنْ وَقَعَ فيه ممنْ ادَّعى الإسلامَ خارجٌ عَن الاثنتين والسبعين فرقة([15])؛ قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية - رحمهُ اللهُ: (وتصورُ مذهبِ هؤلاء كافٍ في بيانِ فسادِه، لا يحتاجُ مع حسنِ التصورِ إلى دليلٍ آخر، وإنما تقعُ الشبهةُ لأنَّ أكثرَ الناسِ لا يفهمون حقيقةَ قولِهم وقصدِهم؛ لِمَا فيه من الألفاظِ المجملةِ والمشتركةِ، بَلْ وهم أيضًا لا يفهمون حقيقةَ ما يقصدونَه ويقولونَه، ولهذا يتناقضون كثيرًا في قولِهم، وإنما ينتحلونَ شيئًا ويقولونه أوْ يتبعونه)([16]).
وتبني هذه الأنواع مِن العلاجِ منْ غيرِ أهلِ الإسلامِ ليسَ بمستغربٍ، وإنما المؤسفُ أنْ يتبنى هذا ويروجُ له مِن أبناءِ المسلمين، بالرغمِ مما تحملُه منْ فلسفاتٍ إلحاديةٍ لا يمكنُ عزلُها عنْ طبيعةِ العلاجِ، إذْ هي أصلُه ولبُّه، ولو ادَّعى مَنْ ادَّعى غيرَ ذلك فهوَ لا يخرجُ عَنْ أنْ يكونَ جاهلًا أو مُكَابِرًا.
ت - قانونُ الكارما:
انطلاقًا مِنْ أنَّ الخيرَ يجبُ أنْ يأتيَ بالخيرِ، والشرَّ يجبُ أنْ يأتيَ بالشرِّ؛ تبنتْ عددٌ مِن الفلسفاتِ الشرقيةِ منها: "الهندوسية والبوذية" مبدأَ "الكارما"، وهيَ كلمةٌ سنسكريتية، وتعني "العمل: سواءَ كانَ قولًا أو فعلًا أو فكرًا"، ويقتضي القانونُ أنَّ كلَّ ما يحصلُ للإنسانِ منْ خيرٍ أو شرٍّ هو نتيجةٌ لعملِه، سواءَ كانَ في هذه الحياةِ، أو بسببِ عملِه في حياةٍ سابقةٍ له بناءً على عقيدةِ التناسخِ!!
ونوعُ الحياةِ اللاحقةِ التي سيحياها - بناءً على التناسخِ - هيَ نتيجةٌ لعملِه في هذه الحياةِ([17])، ويعتقدُ البوذيون "أنَّه يستحيلُ فهمُ كارما دونَ الاعتقادِ بالتناسخِ"([18])، وإنَّه لمنَ العجبِ أنْ يَتَدَاولَ هذا المصطلحَ بعضُ المسلمين دونَ فهمٍ لأصولِه وما يدلُّ عليه ويقتضيه، وإنَّ أبسطَ ما ينقضُه أنْ يُقَالَ: هل ما أصابَ الأنبياءَ - عليهم صلواتُ اللهِ - مِن ابتلاءٍ هو نتيجةٌ لأعمالِهم؟!
هذا إنْ تجاهلْنَا مبدأَ التناسخِ الذي يقومُ على إنكارِ اليومِ الآخر، مع أنَّه لا ينفصلُ عنْ قانونِ الكارما، بلْ هوَ منْ مقتضياتِه، ويعتبرُ المعالجون بـ"الريكي والبرانا" حصولَ الأمراضِ وعدمَ الاستجابةِ للعلاجِ ناتجٌ عنْ كارما سيئةٍ قدْ اقترفَها الشخصُ، وبحسبِ سوءِ الكارما يكونُ سوءُ المرضِ([19])، ولنا أنْ نتخيلَ كَم مِن الحسراتِ ستصيبُ الإنسانَ إذا ما صَدَّقَ بهذه المزاعم؟! فكُلُّ ما يصيبُه مِن ابتلاءاتٍ ناتجٌ عَنْ عملِه.
بلْ هوَ معارضٌ للإيمانِ بقضاءِ اللهِ وحكمتِه في ابتلاءِ عبادِه؛ وقدْ قالَ - صلى اللهُ عليه وسلم - حينَ سُئِلَ: أيُّ الناسِ أشد بلاءً؟ فقالَ: ((الأنبياءُ، ثُمَّ الأمثلُ، فالأمثلُ، يُبْتَلَى الرجلُ على حَسْبِ دينِه، فإنْ كَانَ دينُه صلبًا اشتدَّ بلاؤُه، وإنْ كَانَ في دينِه رِقَّةُ ابْتُلِيَ على حَسْبِ دينِهِ))([20]).
بَلْ إنَّ الابتلاءَ اختبارُ مِنَ اللهِ لخلقِه؛ قالَ تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].

الهوامش:


([1]) التطبيقات المعاصرة لفلسفة الاستشفاء الشرقية، هيفاء الرشيد، ص(460).

([2]) انظر: نسخة إلكترونية، james deacon , The Essential Background Guide,2003 reiki 101

([3]) Brahma sutras: chapter2 section 4topic 1-swami

([4]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، (2/803)، وانظر: المعجم الفلسفي، د.مصطفى حسيبة، ص(20).

([5]) أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة، حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، ص(40).

([6]) انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين، (2/320-321).

([7]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (10/59).

([8]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، (2/783).

([9]) الموسوعة الفلسفية المختصرة، إشراف زكي نجيب، ص(534).

([10]) انظر: الريكي للمبتدئين، ديفيد إف، ص(57، 68).

([11]) The Original Reiki Handbook Of Dr.Mikaousui, Techniques For Health And Well-Being. Lotus Press, Frank Arjavapetter (2000). –(p:15)

([12]) انظر: العلاج بالطاقة الروحية، أيمن عادل، ص(24-37).

([13]) المعالجة المتقدمة بطاقة الحياة، تشو كوك، ص(53).

([14]) العلاج النفسي البراني، تشو كوك، ص(198).

([15]) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (2/140).

([16]) المصدر السابق، (2/138).

([17]) الفلسفات الهندية قطاعاتها الهندوكية والإسلامية والإصلاحية، زيعور، ص(107)، البوذية تاريخها وعقائدها وعلاقة الصوفية بها، عبد الله نومسك، ص(182-189).

([18]) البوذية تاريخها وعقائدها وعلاقة الصوفية بها، عبد الله نومسك، ص(188).

([19]) انظر: معجزات الشفاء البراني، تشو كوك، ص(245).

([20]) رواه الترمذي، أبواب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، (2398)، وقال الألباني: حسن صحيح.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
المخالفاتُ العقديةُ التي يتضمنُها الريكي والعلاجُ البراني (1).doc doc
المخالفاتُ العقديةُ التي يتضمنُها الريكي والعلاجُ البراني (1).pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى