الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ أذكر بعض أحكام التوبة التي وقفت عليها من كلام شيخ الإسلام رحمه الله:
هل توبة العاجز عن الفعل صحيحة مقبولة، أم لا؟
حين تكلم شيخ الإسلام عن مسألة، الفرق بين الهم والإرادة الجازمة، وأن الإنسان الذي له إرادة جازمة إذا فعل معها ما يقدر عليه كان في الشرع بمنزلة الفاعل التام، بخلاف الهم المجرد، تطرق إلى هذه المسألة، هل توبة العاجز عن الفعل صحيحة مقبولة، أم لا؟
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (ومما يبني على هذا مسألة معروفة – بين أهل السنة وأكثر العلماء وبين بعض القدرية – وهي: توبة العاجز عن الفعل، كتوبة المجبوب عن الزنا، وتوبة الأقطع العاجز عن السرقة ونحو من العجز، فإنها توبة صحيحة عند جماهير العلماء من أهل السنة وغيرهم، وخالف في ذلك بعض القدرية، بناء على أن العاجز عن الفعل لا يصح أن يثاب على تركه الفعل، بل يعاقب على تركه وليس كذلك، بل إرادة العاجز عليها الثواب والعقاب كما بينا، وبينا أن الإرادة الجازمة مع القدرة تجري مجرى الفاعل التام، هذا العاجز إذا أتى بما يقدر عليه من مباعدة أسباب المعصية بقوله وعمله وهجرانها وتركها بقلبه كالتائب القادر عليها سواء، فتوبة هذا العاجز عن كمال الفعل كإصرار العاجز عن كمال الفعل)[1].
فيفهم من كلام شيخ الإسلام رحمه الله، أن المعصية إذا كانت في بداياتها، فهي مجرد هم، فإذا عجز العبد عنها، وأتى بما يقدر عليه من مباعدة أسباب المعصية بقوله وفعله وهجرانها وتركها بقلبه، فهذا توبته صحيحه مقبوله.
أما إذا هم بالمعصية وق ارتقى هذا الهم إلى الإرادة الجازمة التي لا يتخلف عنها العمل، وقد أخذ بالأسباب، إما بالقول، أو بالعمل، أو على أقل تقدير بالإشارة، ثم عجز عن مباشرة المعصية، ثم لم يندم، بل يتمنى لو أكمل المهمة، وباشر المعصية، فهو يؤاخذ مثل الفاعل، لأن من المتقرر عند شيخ الإسلام – وهو الذي تؤيده الأدلة – أن الإرادة الجازمة مع القدرة تجري مجرى الفاعل التام، فبالتالي توبته غير صحيحه، والله تعالى أعلم.[2]
الهوامش
[1] مجموع الفتاوى (10/ 742- 743)
[2] انظر أيضًا كلام ابن القيم في هذه المسألة، فبعد ما ساق الخلاف في المسألة، رجح أن توبة العاجز عن الذنب صحيحة مقبولة (1/213- 215).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.