الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛..
كان أبو بكر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن الكريم أو سَمِعَه يبكي بكاءً شديدًا حتى لا يُفهم من قراءته شيء، ومن نماذجه رضي الله عنه في ذلك مايلي: ((عن ابنِ عمر لما اشتد برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وجعه، قيل له في الصلاة فقال: مُرُوا أبا بكر فَلْيُصَلِّ بالناس، فقالت له عائشةُ: يا رسول الله، إن أبا بكر رجلٌ رقيقٌ، إذا قرأَ القرآنَ غَلَبَهُ البكاء، فقال: مُرُوه فَلْيُصَلِّ))([1]).
وفي رواية أخرى: (إنَّ أبا بكر رجلٌ أسيفٌ، إذا قامَ مقامك لم يستطعْ أن يصلي بالناسِ)([2])، قال ابن حجر: (أسيف بوزن فعيل، وهو معنى فاعل من الأسف، وهو: شدة الحزن؛ والمرادُ أنه رقيقُ القلبِ)([3]).
وقد بلغ من غلبة البكاء على أبي بكر رضي الله عنه عند قراءةِ القرآن أن خافه المشركون بمكة على نسائِهم وأبنائِهم، فعن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)([4]).
وكان يقول رضي الله عنه: (ليتني كنتُ شجرةً تُعضد ثُمَّ تُؤكل)([5])، وكان يأخذ بطرف لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد)([6]).
وورد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه (ذكر ذات يومٍ أهوال يوم القيامة، وفَكَّرَ فيها، حتى ذكر الموازين إذا نُصبت، والجنة إذا أُزلفت، والنار حين أُبرزت، وصفوف الملائكة، وطي السماوات، ونسف الجبال، وتكوير الشمس، وانتثار الكواكب، فقال: وددتُ أنِّي كنتُ خضرًا من هذه الخضر، تأتي عليَّ بهيمةٌ فتأكلني، فَذُكِرَ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فنزلت: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46])([7]).
وورد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو في داره جاء طيرٌ وهو عنده، فوقعَ على الشجرة حمام أو عصفور، فنظرَ إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: (طوبى لك يا طير، ما أَنْعَمَك على هذه الشجرة، تأكلُ من هذه الثمرةِ، ثم تموت، ثم لا تكون شيئًا، ليتني مكانك)([8]).
2- عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن علقمة بن وقاص رضي الله عنه قال: (صليتُ خلفَ عمرَ رضي الله عنه عشاء الآخرة، فقرأ بسورةِ يوسف عليه السلام؛ فلما أتى على ذكرِ يوسف نَشَجَ - اشتد بكاؤه - حتى سمعتُ نشيجَه وإني لفي آخرِ الصف)([9]).
عن الحسن رضي الله عنه قال: (كان عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه ربما توقدُ النار ثم يدلي يده منها، ثم يقول: ابن الخطاب، هل لك على هذا صبر)([10]).
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: (سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمًا وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ: عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، بَخٍ بَخٍ، وَاللَّهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ)([11]).
وكان عُمَر بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهيقَول: (لو نادى منادٍ من السماءِ: أيها الناس، إنكم داخلون الجنةَ كلكم أجمعون إلا رجلًا واحدًا، لخِفْتُ أن أكونَ هو، ولو نادى منادٍ: أيها الناس، إنكم داخلون النارَ إلا رجلًا واحدًا؛ لرجوتُ أن أكون هو)([12]).
وورد أن عمر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال: (لو أن لي ما على الأرضِ لافتديتُ به من هولِ المطلعِ)([13]).
عن هانئ مولى عثمان بن عفان: ((كان عثمان رضي الله عنه إذا وقفَ على قبرٍ بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكرُ الجنةَ والنارَ فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ القبرَ أولُ منزلٍ من منازل الآخرةِ، فإن نجا منه فما بعدَه أيسر منه، وإن لم ينجْ منه فما بعدَه أشد منه))([14]).
وعن حبيب بن أبي مرزوق: (دخل عثمانُ بن عفان رضي الله عنه فوجدَ غلامَه يعلف ناقةً له، وإذا في علفها شيء، فأخذ بأذنه فعركها، ثم ندم، فقال للغلام: قُمْ فاقتص مني!! فأبى الغلامُ، فلم يَزَلْ به حتى قامَ فأخذَ بأذنِه ثم قال له: اعرك اعرك، وهو يقول: شد شد، حتى عَرِفَ عثمانُ أنه بَلَغَ منه، ثم قال: واهًا لقصاصِ الدنيا قبل قصاصِ الآخرةِ)([15]).
وقال عثمان رضي الله عنه: (لو وقفتُ بين الجنةِ والنار؛ فخُيرتُ بين أن أصيرَ رمادًا أو أُخير إلى أي الدارين أصير؛ لاخترتُ أن أكونَ رمادًا)([16]).
عن سليم بن المغيرة قال: (حَدَّثَتْنِي أمي قالت: سألتُ أُمَّ سعيد عن صلاة عليٍّ رضي الله عنه في رمضان، فقالت: ما كانت صلاتُه في رمضان وشوال إلا واحدة، يُحْيي الليلَ كله)([17]).
عن سنان بن ربيعة عن أبي إسحاق ذكر: (أن عليًّا رضي الله عنه كان يصلي بعد المغرب عشرين ركعة ويسميها صلاة الأوابيين).
الهوامش:
([10]) مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ابن الجوزي، ط4، دار الكتب العربي، بيروت 1422 هجرية، ص(162).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.