الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فقد وردت في القرآن الكريم ألفاظٌ تشترك في معنى الخوف، وهي: الخشية والوجل والرهبة والإشفاق، وسوف نستعرض الفروق بين كلِّ لفظٍ والآخر والعلاقة بينها.
الوجل من الألفاظ المرادفة للخوف؛ فقد بيَّن الجوهري بأن الوجل هو الخوف، تقول: (وجل وجلًا وموجلًا بالفتح)([1]).
وذكر ابنُ منظور بأن الوجل هو الفزع والخوف وَجِلَ وجلًا بالفتح([2])، ويُقال: (وجل يوجل وجلًا وموجلًا، أي: خافَ وفزع، وأوجله بمعنى أخافَه)([3]).
وبيَّن الراغب: (بأن الوجل هو: استشعارُ الخوف)([4]).
وعرَّف ابنُ القيم الوجل بأنه: (رجفانُ القلبِ وانصداعه لذكر من يخاف سلطانَه)([5]).
كما عرفه الرازي بأن الوجل: (هو الخوفُ في فزعٍ ينشأُ منه قشعريرةٌ واضطرابٌ في القلبِ، ويفسر ذلك قولُ أُم الدرداء - رضي الله عنها -: الوجلُ في القلبِ كاحتراقِ السعفةِ، أما تجدُ له قشعريرة؟ قال: بلى، قالت: إذا وَجَدتَ ذلك فادعُ اللهَ عند ذلك، فإن الدعاء يُذْهِبُ ذلك، وقد فُسِّرَ الوجل على أنه أول الخوف، فإذا قوي صار خوفًا)([6]).
فالوجل مرتبطٌ بالقلب، وهذا الرجفان أو القشعريرة هو تغير مؤقت في جلد الإنسان، وينتج عنه الخوف من الله تعالى.
ومن أمثلة الوجل الدالة على أنه لفظ مرادف للخوف في القرآن الكريم قولُ الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، قال مجاهد: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}: (فرقت: أي فزعت وخافت، وهذه صفةُ المؤمنِ الذي إذا ذُكِرَ اللهُ وَجلَ قلبه، أي خاف منه، ففعل أوامره وترك زواجره)([7]).
وذكر السعدي في بيان الوجل في الآية السابقة بأنها: (الخوفُ والرهبةُ، فأوجبت لهم خشية الله تعالى والانكفاف عن المحارم، فإن خوفَه تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبَه عن الذنوبِ)([8]).
وفسر الجزائري كلمةَ الوجل في الآية على أنها: (الخوف)([9])، ومن الأمثلة كذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، ذكر الألوسي في بيان معنى وقلوبهم وجلة: (أي خائفة قلوبهم من أن لا يقبل منهم، وأن يقع على وجه اللائق فيؤاخذوا به)([10]).
ويؤكد ما سبق ما جاء في السُّنة عن عائشة قالت: ((سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} فقلتُ: أَهُم الذين يشربون الخمرَ ويسرقون؟ قال: ((لَا يا بنت الصديقِ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يُقْبَلَ منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون))([11]).
يتضح للباحث بأن الخوفَ المقصود في الآية ليس خوفًا من حصولِ مكروهٍ، أو توقع عقوبة، وليس خوفًا كذلك من معصيةٍ أو ذنب ارتكبه إنسانٌ، ولكن الخوف المطلوب الذي بيَّنه الحديثُ السابق هو خوفُ المؤمن الصادق العارف بربِّه عز وجل الذي يبادر للخيرات، ويسارع في فعل الصالحات، ويراقبُ اللهَ في السرِّ والعلن، لكنه يخشى من عدم قبول تلك الطاعات والعبادات، فالذين في قلوبهم وَجَلٌ يُخْلِصُون العبادةَ للهِ عز وجل.
ومما سبق يتبين أن الوجل هو أول الخوف، فإن صار الوجلُ قويًّا صارَ خوفًا، كما أن الوجل عبارة عن اضطراب وارتعاشة تنتاب قلب المؤمن حين يذكر بالله تعالى في أمر أو نهي، فيغشاه جلالُه وتنتفض فيه مخافتُه، ويتمثل عظمة الله ومهابته بجانب تقصيره، مما يبعثه إلى المسارعة في عمل الطاعات والمبادرة إلى الصالحات، أما الخوف فهو شعورٌ بالقلق لا يصاحبه بالضرورة عظمة المخوف فهو يأتي بعد الوجل.
وقد بالغ أبو هلال العسكري في الفصل بين الخوف والوجل فقال: (ليس الوجل من الخوف في شيء، وخاف مُتَعَدٍّ، ووجل غير مُتَعَدٍّ، وصيغتاهما مختلفتان)([12]).
الهوامش:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.