دلالات الخوف في القرآن الكريم

دلالات الخوف في القرآن الكريم





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فلقد ورد الخوفُ في القرآن الكريم بعدة دلالات ومعاني؛ منها:
1- المصيبة:
تعتبر المصيبة إحدى دلالات الخوف في القرآن الكريم؛ حيث قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: 83]، قال السعدي:  هذا تأديبٌ من الله لعباده عن فعلِهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمرٌ من الأمور المهمة والمصالح العامة، ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة؛ عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسولِ وإلى أولي الأمر منهم [1] ، فدلالة الخوف في الآية السابقة يتضح للباحث بأنها المصيبة التي تحل بالقوم.
وقد ورد أن معنى الخوف في الآية الكريمة هو "الهزيمة"؛ فقد ورد في تفسير الجلالين: أن الأمن هو النصر والخوف هو الهزيمة [2] .
والهزيمة تندرج ضمن المصائب التي تحل بالقوم، وجاء في معجم الزبيدي في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: 155]: أن معنى الخوف في الآية هو القتل [3] .
ففي هذه الآية الكريمة ذكر اللهُ تعالى جملةً من المصائب التي تصيبُ الإنسانَ؛ حيث قال الله تعالى بعدها: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ} [البقرة: 155]، فما ذُكِرَ في الآيةِ من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات كلها تأتي مجملة في كلمة واحدة وهي المصيبة.
من خلال ما سبق يتضحُ من تعدد المعاني بأن الهزيمة والقتل كلها تدخل في جملة المصائب، فيُقال للهزيمة مصيبة ويُقال للقتل مصيبة.
2- العلم:
كما يُعتبر العلم أحد دلالات الخوف في القرآن الكريم؛ قال تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 182].
فقوله جل جلاله  "فَمَنْ خَافَ": أي عَلِمَ، "مِن مُّوصٍ جَنَفًا": خطأ في التوصية من غير عمد، وهو أن يوصي لبعض ورثته أو يوصي بماله كله خطأ، "أَوْ إِثْمًا": أي قصدًا للميلِ، فخاف من الوصيةِ وفعلَ ما لا يجوزُ متعمدًا  [4] ، وقال القرطبي:  "خاف": بمعنى خشي، وقيل: عَلِمَ  [5] .
وقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، قال البغوي في معنى قوله تعالى:  "إِلاّ أَنْ يَخَافَا": بفتح الياء أي يَعْلَمَ الزوجان مِنْ أنفسِهما  [6] .
وقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضا} [النساء: 128]، قال الطبري:  يعني بذلك جل ثناؤه: وإن امرأةٌ خافت من بعلها، يقول عَلِمَت من زوجِها، "نشوزًا" يعني: استعلاءً بنفسه عنها إلى غيرها  [7] ، وذكر الزبيدي في معجمه بأن الخوف المقصود في هذه الآية هو  العلم  [8] ، فمما سبق من الآيات يتضح أن العلم يعتبر إحدى دلالات الخوف.
3- القتال:
إن من دلالات الخوف في القرآن الكريم القتال؛ حيث قال تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} [الأحزاب: 19].
قال الطبري:  يقولُ تعالى ذكره: فإذا حضرَ اليأسُ، وجاءَ القتالُ، وفرارًا منه {كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي كدوران عين الذي يُغشى عليه من الموت النازل به، {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ} أي: فإذا انقطعت الحربُ واطمأنوا {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ}  [9] .
وجاء في معجم لغة العرب معنى الخوف في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ} أي القتال [10] ، كما بَيَّنَ ذلك الزبيدي في معجمه بأن الخوف أيضًا القتال، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: 83] [11] .
4- التنقص:
كما يعتبر التنقص من دلالات الخوف في القرآن الكريم؛ حيث قال تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ}، قال الطبري في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} فإنه يعني:  أو يُهْلِكَهُم بتخوف، وذلك بنقصٍ من أطرافِهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعُهم، يُقال منه: تخوَّفَ مالَ فلان الإنفاقُ، إذا انتقصه  [12] .
وذكر الواحدي في معنى قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ}: أي  على تنقص، وهو أن يأخذ الأول حتى يأتي الأخذُ على الجميع  [13] ، وذكر الفراهيدي التخوف: التنقص، ومنه قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [14] .
ويشير الباحث إلى أن الخوف ورد ذكرُه في القرآن الكريم على خمسة وجوه؛ وهي: المصيبة أو النكبة التي تصيب المسلمين من قتل أو هزيمة، كما تأتي بمعنى العلم والدراية، وتأتي كذلك بمعنى القتال والحرب، وتأتي بمعنى التنقص، وأخيرًا الخوف بعينه.
 

الهوامش:
([1]) تفسير السعدي، مؤسسة الرسالة، بيروت 2000م، ص(190).
([2]) تفسير الجلالين، جلال الدين المحلى وجلال الدين السيوطي، دار الحديث، القاهرة، د.ث، ص(115).
([3]) تاج العروس، الزبيدي، التراث العربي، الكويت، 1986، (23/289).
([4]) الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الواحدي، الدار الشامية، دمشقي، 1415هجرية، ص(149).
([5]) تفسير القرطبي، ط2، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1964 م، (2/269).
([6]) معالم التنزيل، البغوي، ط4، دار طيبة، المدينة المنورة، 417 هجرية، ص(271).
([7]) تفسير الطبري، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1420 هجرية، (9/267).
([8]) تاج العروس، الزبيدي، (23/289).
([9]) تفسير الطبري، (20/232).
([10]) لغة العرب، جورج بن متري، مكتبة لبنان، د. ث، ص(314).
([11]) تاج العروس، الزبيدي، (23/289).
([12]) تفسير الطبري، (17/213).
([13]) الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الواحدي، ص(208).
([14]) كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، مؤسسة الأعلمي، بيروت: 1988م، (4/313).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
دلالات الخوف في القرآن الكريم doc
دلالات الخوف في القرآن الكريم pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى