أدلة الخوف من الكتاب والسنة (1)

أدلة الخوف من الكتاب والسنة (1)






إذا كانت المحبة أصل الإيمان، فالخوف يستلزم المحبةَ ويرجع إليها، فإن الخائف يفرُّ من المخوف لينال المحبوب، فالخوف هو أصلُ وصول العبد إلى ما يرضي اللهَ عز وجل، وهذا من أبلغ المقامات، وهو الجالب للطاعات والمبعد عن المعاصي.
وذلك أن العبد كلما تَذَكَّر عذابَ الله وخافه كان حاجزًا ومانعًا من ارتكاب أي محذور يُغْضِبُ اللهَ سبحانه وتعالى، واشتمال قلب المؤمن عليه علامةٌ على صحةِ الإيمان، وهو أحدُ محركات القلوب الثلاثة، وقد جاءت النصوصُ من كتابِ اللهِ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأمر به، والحث عليه، ومدح أهله.
وفيما يلي أذكرُ بعضًا من أساليب القرآن والسنة في الأمر به:
1- الخوف شرطٌ لصحة الإيمان:
قد أمر اللهُ تعالى بإخلاص الخوف له وحده، وجعله شرطًا لصحة الإيمان، ولا يجوز صرفه لغير الله، وقد جاء النهي عن صرفه لغير الله؛ قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].
فصرف الخوف لغير الله تعالى شركٌ، إذ لا يخاف الإنسانُ أحدًا الخوف التعبدي إلا إذا اعتقد في قلبه أنه يملك نفعه أو ضره، أو يشارك في مُلْكِ اللهِ، واعتقاد مثل هذا شرك أكبر[1]، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: فمن سوَّى بين الخالق والمخلوق في الحبِّ له أو الخوف والرجاء له فهو مشركٌ[2].
وقد فَصَّلَ شيخُ الإسلام الكلامَ عن هذه الآية ما المراد بأوليائه، حيث ذكر خلافَ أهل العلم في ذلك، وأن منهم من يقول أن المراد هو: أن الشياطين يخوفون الناسَ بأوليائِهم، ومنهم من يقول: أن الشياطين يخوفون أولياءَهم، ثم قال: إن كلا القولين صحيح من حيث المعنى، لكن لفظ أوليائه هم الذين يجعلهم الشيطان مُخَوِّفِين لا خائفين، كما دَلَّ عليه السياقُ.
ثم قال رحمه الله: ودلَّت الآيةُ على أن المؤمن لا يجوز له أن يخافَ أولياءَ الشيطان، ولا يخاف الناسَ؛ كما قال: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، فخوفُ الله أُمِرَ به، وخوف أولياء الشيطان نُهِي عنه؛ قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة: 150]، فنهى عن خشيةِ الظالم وأَمَرَ بخشيته؛ وقال: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: 39]، وقال تعالى: {فإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51][3].
وبَيَّن ابنُ القيم - رحمه الله - أن الخوف سببٌ في حصول الإيمان وتحقيقه؛ يقول - رحمه الله -: فجعل الخوفَ منه شرطًا في تحقيق الإيمان، وإن كان الشرطُ داخلًا في الصيغة على الإيمان فهو المشروط في المعنى، والخوف شرطٌ في حصوله وتحققه، وذلك لأن الإيمان سببُ الخوف الحاصل عليه.
وحصول المسبب شرطٌ في تحقيقِ السبب، كما أن حصولَ السببِ موجبٌ لحصولِ مسببه، فانتفاءُ الإيمانِ عند انتفاءِ الخوفِ انتفاءٌ للمشروطِ عند انتفاءِ شرطِه، وانتفاءُ الخوفِ عند انتفاءِ الإيمانِ انتفاءٌ للمعلولِ عند انتفاءِ عِلَّتِهِ؛ فَتَدَبَّره ...، ثم قال - رحمه الله -: والمقصود أن الخوف من لوازم الإيمان وموجباته، فلا يختلف عنه[4].
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله، حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله -، في شرحه لهذه الآية: فَأَمَرَ اللهُ تعالى بإخلاصِ هذا الخوف له، وأَخْبَرَ أن ذلك شرطٌ في الإيمانِ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِه لَمْ يَأْتِ بالإيمانِ الواجب، ففيهما أن إخلاصَ الخوفِ للهِ من الفرائض[5].
 

الهوامش:
([1]) أعمال القلوب وأثرها في الإيمان، د.محمد دوكوري، ص(195).
([2]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (27/333).
([3]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (27/333).
([4]) طريق الهجرتين، ابن القيم، ص(422-423).
([5]) تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ص(419).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أدلة الخوف من الكتاب والسنة (1) doc
أدلة الخوف من الكتاب والسنة (1) pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى