الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ إن أعظم الثمرات الذي ينالها الإنسانُ من خلال خوفه من اللهِ تعالى، هي التي أعدَّها الله تعالى لعباده في الدار الآخرة، فمن الثمرات التي أعدها اللهُ لعباده الخائفين ما يلي:
- الخوف مِنَ اللهُ تعالى سببٌ في حصول العبد على المغفرة والرحمة بإذن الله تعالى:
إن اللهَ تعالى جعل بحكمته وعدله ورحمته لنيل عفوه وحصول مغفرته ورحمته طُرُقًا وأسبابًا توصل العبدَ لتلك المنزلة العظيمة، فمن تلك الأسباب مراقبة الله تعالى وخشيته والمبادرة الدائمة للتوبة النصوح التي تمحو الخطايا وترفع الدرجات.
ومما يدل على ذلك قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك: 12]، قال القرطبي: (أي يخافون اللهَ ويخافون عذابَه الذي هو بالغيب، وهو عذابُ يوم القيامة؛ لهم مغفرةٌ لذنوبهم وأجرٌ كبير وهو الجنة)([1]).
عن أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ عز وجل فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ))([2]).
إن الحصول على مغفرةِ الله تعالى ورحمته غايةٌ يسعى إليها كلُّ مؤمنٍ بالله تعالى، فمن خلال الأدلة السابقة يتبين أن من أسباب حصول مغفرة الله تعالى ورحمته هو: خوف العبد وخشيته لله تعالى، فيجب على الإنسان المسلم الحرص على بذل الأسباب التي ينال من خلالها مغفرةَ اللهِ تعالى ورحمته، فَلَنْ يبلغَ الإنسانُ الجنةَ إلا إذا تجاوز عنه اللهُ تعالى وغَفَرَ له ذنوبه، ثم يُدْخِلُه الجنةَ برحمتِه لا بعمله وسعيه، فخوفُ الله تعالى وتقواه تجعل العبدَ ينال تلك الثمرة العظيمة، التي هي غاية كل إنسان مؤمن بربه سبحانه وتعالى.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: ((كيفَ تجدُك؟ قال: واللهِ يا رسول اللهِ إني أرجو اللهَ وإني أخافُ ذنوبي؛ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطنٍ إلا أعطاه اللهُ ما يرجو وأَمَّنَهُ مما يخاف))([3]).
إن من الثمرات التي ينالها العبدُ يومَ القيامة بسبب خوفه من الله تعالى أن يرضى عنه سبحانه وتعالى ويُدْخِله الجنةَ، ويكون بذلك حقق السعادة الكبرى التي يسعى إليها في الحياة الأخروية؛ قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، وقد جاء في تفسير هذه الآية: (لمن خافَ اللهَ في الدنيا في سرِّه وعلانيته، فاتقاه بأداء فرائضِه واجتناب معاصيه؛ فإن الخشيةَ مِلَاكُ السعادةِ الحقيقية)([4]).
فالإنسان المسلم يسعى في هذه الدنيا على رضا الله تعالى في كل أمور حياته، فإن عَلَّقَ قلبَه بربِّه عز وجل، وعلم أن ربَّه رحيمٌ بعباده، وأحسن الظنَّ به، لا يدعو إلا اللهَ تعالى، ولا يخاف إلا مِنَ اللهِ تعالى؛ أَمِنَ وشَعَرَ بلذةِ الراحة في قلبه في الحياة الدنيا، أما في الآخرة فوعده اللهُ تعالى برضاه وأَمَّنَه من الناس وأَسْكَنَهُ الجنةَ.
مما سبق يتضح للباحث أن الخوف من الله تعالى سبب في كل خير في الدنيا والآخرة، فيه يبتعد المسلم عن كل الشرور ويقترب من فعل الخيرات، فيستقيم بذلك سلوكه ويقوم اعوجاجه، فيكون سببًا في إصلاح نفسه وتهذيبها، فيستحق بذلك دخول الجنة إن شاء الله تعالى، فيحقق لنفسه السعادة الحقيقية في الدارين الدنيا والآخرة.
يقول الغزالي: (لا سعادة للعبدِ إلا في لقاء مولاه والقرب منه؛ فكل ما أعان عليه فله فضيلة، وفضيلته بقدرِ غايته، وقد ظهرَ أنه لا وصولَ إلى سعادةِ لقاء الله في الآخرة إلا بتحصيلِ محبته والأنس به في الدنيا، ولا تُحَصَّلُ المحبة إلا بالمعرفة، ولا تُحَصَّلُ المعرفة إلا بدوام الفكر، ولا يحصل الأنسُ إلا بالمحبة ودوام الذكر.
ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر إلا بانقطاع حب الدنيا من القلب، ولا ينقطع ذلك إلا بترك لذات الدنيا وشهواتها، ولا يمكن ترك المشتهيات إلا بقمع الشهوات، ولا تنقمعُ الشهوة بشيء كما تنقمعُ بنار الخوف؛ فالخوفُ هو النارُ المحرقة للشهوات؛ فإن فضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات، وبقدر ما يَكُفُّ عن المعاصي ويَحُثُّ على الطاعات)([5]).
والذي يقصد من لذات الدنيا وشهواتها هي التي تجرُّ إلى المنهيات والمحرمات، فهناك لذات في الحياة الدنيا - كالزواج والمال والأولاد - إن أحسن بها النية تكون بإذن الله سببًا له في تحقيق الخوف من الله تعالى في حياته الدنيوية والأخروية.
كما أن ما ذُكِرَ من تلك الثمرات الدنيوية والأخروية إنما هي من باب المثال لا الحصر، وإلا فهناك ثمرات كثيرة يحققها الخوفُ من الله تعالى؛ ومنها على سبيل الإجمال: الراحة النفسية في الدنيا، والتوفيق في الأعمال، والسعادة في الدارين، ووفرة الرزق والبركة فيه ... وغيرها من الثمرات التي يشعر بها العبدُ حينما يتحقق خوفُ اللهِ تعالى في نفسه.
كما يتبين من خلال ذلك بأن الخوف من الله تعالى الذي يؤدي إلى الخير في الدنيا والآخرة هو الخوفُ المعتدل، الذي يخالطه الرجاءُ والطمعُ في رحمة الله ورغفرانه، وليس المقصود الخوف المفرط، الذي يفضي به إلى الاضطراب في سلوكه، فيمنعه عن العمل، ويؤدي إلى القنوط وزوال العقل.
لذلك يحتاج هذا الخوف إلى ضبطٍ وتوجيه في نفوس الناشئة على أسس نفسية إسلامية، حتى يؤدي الخوف في النهاية وظيفتَه الطبيعية من المواظبة على العلم والذكر والتفكير؛ فينال بذلك الرفعة في الدنيا والآخرة.
فحري بالمربي الناجح أن يُرَغِّبَ الناشئة في الخوف من الله تعالى بذكر تلك الثمرات، وكيفية تحقيقها وغرسها في نفوسهم من خلال المواعظ والمحاضرات والمسابقات والرحلات العلمية، وغيرها من الوسائل والأساليب التي تحقق الغاية المخطط لها، والوصول إلى تربية الخوفِ مِنَ اللهِ تعالى في نفوس الناشئة وتحويلها إلى ممارسة عملية في واقع حياتهم، فإن صلاح المجتمع يكون بصلاح الفرد.
الهوامش:
الهوامش:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.