ثمرات الخوف من الله في الدنيا 2

ثمرات الخوف من الله في الدنيا 2







الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ الخوف من اللهِ مطلبٌ عظيم في حياة البشرية، لأنه يدفع الإنسان إلى العمل الصالح، ويظهر ذلك من خلال غرس ذلك المفهوم بالشكل الصحيح، فمن تلك الثمرات التي يجنيها الإنسانُ الذي يخاف اللهَ تعالى ويخشاه ما يلي:
  1. الخوف من الله تعالى يدفع العبد إلى اجتناب المنهيات والمحرمات:
كما أن الخوف من الله تعالى سببٌ في المبادرة للأعمال الصالحة، فهو أيضًا سبب في اجتناب العبد عن فعل المنهيات والمحرمات، فيعتبر الخوف من الله تعالى رادعًا قويًّا للإنسان للابتعاد عن مواطن الفساد، فهو يقتضي القيامَ بحقوقِ اللهِ تعالى، والبُعد عن التقصير فيها، ويحجزُ العبدَ عن ظلمِ العبادِ والعدوان عليهم، كما يدفعهم إلى عدم التهاون في حقوق الآخرين وضياعها، كما يمنعُ الإنسانَ المسلم من الانسياق وراء الشهوات والشبهات، ويجعله على حذر من الدنيا وفتنتها.
قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41]؛ قال الطبري: (وأما من خافَ مسألةَ اللهِ إياه عند وقوفِه يومَ القيامة بين يديه، فاتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} يقول: ونهى نفسَه عن هواها فيما يكرهه اللهُ ولا يرضاه منها، فزجرها عن ذلك، وخالف هواها إلى ما أمره به ربُّه، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} يقول: فإن الجنةَ هي مأواه ومنزله يوم القيامة)([1])، وقال القرطبي في معنى قوله {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}: (أي زجرها عن المعاصي والمحارم)([2]).
وقال المقدسي: (ومن ثمرات الخوف أنه يقمعُ الشهوات، ويُكَدِّرُ اللذات؛ فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهةً مكدرةً)([3])، فالمعاصي تُكَدِّرُ أصاحبها إذا تَمَكَّن خوفُ اللهِ وخشيتُه في قلبِه، فلا يشعرُ بلذةِ المعصية مهما زُيِّنَت له تلك المعصية.
فلو مثلًا تذكر آكلُ الربا أنه مُحَارِبٌ للهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم لَمَا أكل الربا، وهكذا، فخوف اللهِ ومراقبته في السر والعلن يمنع العبدَ من ارتكاب المعاصي والمحرمات، فالخوفُ من اللهِ تعالى يحرك دواعي الخوف الكامنة في أعماق النفوس، ويجعل العبدَ رقيبًا على نفسِه، فيمنعها من ارتكاب المحرمات، ويلتزم أوامرَ اللهِ تعالى ونهيه.
  1. الخوف من الله تعالى يدفع العبدَ إلى التمكين في الأرض والنصر على الأعداء:
إن المسلم الذي تربى على الخوف من الله تعالى ومراقبته في السر والعلن، فإن اللهَ تعالى يُمَكِّنُه في الأرض، حتى ولو بعد حين - بإذنه تعالى - وينصره على الأعداء، ويلقي الرعبَ والهلعَ في قلوبهم ويخزيهم، فخوفُ الله تعالى في النفوس سببٌ في أن يَرِثَ المؤمنون الأرض من بعد عدوهم، ويُمَكِّنُهم منهم.
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 13-14]، في هذه الآية جعلَ اللهُ تبارك وتعالى الخوفَ من مقامه - والمقصود بمقامه كما بيَّن ابنُ عطية في تفسيره: أي قيام العبد بين يديه في الآخرة([4]) -، جعله سببًا من أسباب النصرة على الأعداء والتمكين في الأرض.
وقال سيد قطب: (ذلك الإسكان والاستخلاف لمن خافَ مقامي، فلم يتطاولْ ولم يتعالَ ولم يستكبرْ ولم يتجبرْ، وخاف وعيد، فحسِبَ حِسَابَه واتقى أسبابَه، فلم يفسدْ في الأرض، ولم يظلمْ في الناس؛ فهو من ثَمَّ يستحق الاستخلاف ويناله باستحقاق)([5]).
يتبين بأن الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها لا يكون إلا بإقامة حدود الله تعالى، والسعي في نشر الوعي الديني لدى أفراد المجتمع، فإن كانت قلوبهم خائفةً وَجِلَةً من الله تعالى؛ فإن ذلك سببٌ في التمكين في الأرض، والنصر على الأعداء، وأما التكبر والتجبر والتعالي والفساد في الأرض وظلم الناس يُعتبر سببًا من أسباب زوال الاستخلاف وزوال التمكين في الأرض.
  1. الخوف من الله تعالى يدفع العبدَ للمحاسبة والمراقبة:
إن النفس البشرية التي تربت على الخوف من الله تعالى وخشيته في السر والعلن؛ فإنها تدفعه إلى المحاسبة لترويضِ السلوكِ إلى السبيل المستقيم، والحدِّ من نزواتها وشهواتها، كما أنها تُعَرِّف الإنسانَ بنعمةِ اللهِ عليه فيشكره، ويستخدمها في طاعته والعمل لمرضاته، ويحذر من الوقوع في الأسباب التي تؤدي إلى زوالها.
قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].
قال الطبري: (ووضع اللهُ يومئذٍ كتاب أعمال عباده في أيديهم، فأخذ واحدٌ بيمينه وأخذ واحدٌ بشماله، {وُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}؛ يقول عَزَّ ذكرُه: فترى المجرمين المشركين بالله مشفقين، يقول: خائفين وجلين مما فيه مكتوبٌ من أعمالهم السيئة التي عملوها في الدنيا أن يؤاخذوا بها، {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا}: يعني أنهم يقولون إذا قرءوا كتابَهم، ورأوا ما قد كُتب عليهم فيه من صغائر ذنوبهم وكبائرها؛ نادوا بالويل حينَ أيقنوا بعذابِ اللهِ، وضجُّوا مما قد عرفوا من أفعالِهم الخبيثة التي قد أحصاها كتابُهم، ولم يقدروا أن ينكروا صحتَها)([6]).
يتضح من الآية السابقة بأن الذين تركوا المحاسبة في الدنيا، فإنهم يأتون يومَ القيامة بين يدي اللهِ خائفين مشفقين مما رأوه من الكتاب الذي أحصى جميعَ أعمالهم، فلم يذرْ صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها لهم.
فإن القلبَ الذي يخشى اللهَ تعالى ويخافه فإنه يدفعه إلى المراقبةِ والمحاسبة في جميع شئون حياته؛ كي لا يحيد ولا يميل عن الجادة المثلى، فينبغي أن يضع الإنسانُ المسلم المحاسبةَ نُصب عينيه استعدادًا للسؤال وترقبًا لما بعده من الأهوال، والمحاسبة هي ذلك الميزان الدنيوي، الذي يستخدمه المرءُ المسلم لتصحيح مساره وتعديل سلوكه، مستضيئًا في ذلك بهدي الكتاب والسنة.
وعن أهمية تخصيص وقتٍ للمحاسبة وأهميتها في حياة الإنسان المسلم، يقول وهب بن منبه: (مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا مَعَ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ وَيُصْدَقُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَوْنًا عَلَى تِلْكَ السَّاعَاتِ وَإِجْمَامًا لِلْقُلُوبِ)([7]).
فالمتأمل في كلام وهب بن منبه يجد أن تلك الساعات الأربع لا يحرص عليها إلا من امتلأ قلبُه خوفًا وخشيةً للهِ تعالى، فالإنسانُ المسلم الذي يخافُ مقامَ اللهِ تعالى، يخافُ حسابَه، وأنَّ اللهَ تعالى سوف يسأله عن كل صغيرة وكبيرة، فإنه يحرصُ كل الحرص على الاهتمام بمحاسبةِ نفسه ومراقبته لها في كلِّ حالٍ من الأحوال، وفي هذا تربية للنفس وتهذيب وتزكية من كل ما يغضب اللهَ تعالى.

الهوامش:
([1]) تفسير الطبري، (24/212).
([2]) تفسير القرطبي، (19/207).
([3]) مختصر منهاج القاصدين، المقدسي، (4/63).
([4]) المحور الوجيز في تفسر الكتاب العزيز، ابن عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هجرية، (3/331).
([5]) في ظلال القرآن، سيد قطب، (4/395).
([6]) تفسير الطبري، (18/38).
([7]) مختصر منهاج القاصدين، المقدسي، ص(373).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
ثمرات الخوف من الله في الدنيا 2 doc
ثمرات الخوف من الله في الدنيا 2 pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى