الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ الخوف من اللهِ مطلبٌ عظيم في حياة البشرية، لأنه يدفع الإنسان إلى العمل الصالح، ويظهر ذلك من خلال غرس ذلك المفهوم بالشكل الصحيح، فمن تلك الثمرات التي يجنيها الإنسانُ الذي يخاف اللهَ تعالى ويخشاه ما يلي:
إن الخوف من الله يربي في قلب الإنسان الإخلاص لله تعالى في جميع شئون حياته، فيسعى جاهدًا في العمل لإرضاء اللهِ تعالى، فنجده يحب العمل ويبادر نحوه ويجتهد في فعل الطاعات وترك المنكرات؛ قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 9-10].
قال ابن عجيبة في قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أي: (نطلب ثوابَه، أو بيان من الله تعالى عما في ضمائرهم من الإخلاص؛ لأن الله تعالى عَلِمَه منهم فأثنى عليهم وإن لم يقولوا شيئًا)، وفي قوله تعالى: {لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا} أي: (لا نطلبُ على طعامنا المكافأة هديةً ولا ثناءً، ثم قال تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} أي: إنا لا نريد منكم المكافئة لخوف عذاب الله، أو إنا نخافُ من ربنا فنتصدق لوجهه حتى نأمنَ من هذا الخوف)([1]).
وقال سيد قطب: (هي صورة مضيئة شفافة لقلوب مخلصة جادة عازمة على الوفاء لله بتكاليف العقيدة، مع رحمة ندية بعباده الضعاف، وإيثار على النفس، وتحرج وخشية لله، ورغبة في رضاه، وإشفاق من عذابه، تبعثه التقوى والجد في تصور الواجب الثقيل)([2]).
ففي هذه الآية الكريمة يبين اللهُ تعالى أن المؤمنين لم يبادروا لإطعام المساكين من أجل جزاء دنيوي، وما قاموا بالعمل الصالح لينالوا الثناء والشكر من الناس، وإنما دفعهم خوفهم من عذاب الله تعالى إلى الإخلاص له سبحانه وتعالى في عمل الخير وإطعام المساكين؛ ليفوزوا بالجزاء العظيم الذي أعدَّه اللهُ تعالى لهم.
الخوف من الله تعالى ودوام خشيته يؤدي إلى تقوى الله تعالى في جميع الأعمال، والحرص على الطاعة، واجتناب المحرمات، والإكثار من نوافل العبادات والإحسان إلى الناس، والمسارعة في فعل الخيرات؛ قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36-37].
يقول السعدي: (هم رجالٌ، ليسوا ممن يُؤثِرُ على ربِّه دنيا ذات لذات، ولا تجارة ومكاسب، مشغلة عنه لزَّكَاةِ، بل جعلوا طاعةَ الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حالَ بينهم وبينها رفضوه.
ولما كان تركُ الدنيا شديدًا على أكثر النفوس، وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوبًا لها، ويشق عليها تركه في الغالب، وتتكلفُ من تقديم حقِّ اللهِ على ذلك، ذكر ما يدعوها إلى ذلك، ترغيبًا وترهيبًا؛ فقال: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، من شدة هوله وإزعاجه القلوب والأبدان، فلذلك خافوا ذلك اليوم، فسهل عليهم العمل، وترك ما يشغل عنه)([3]).
ومن هنا يتضح بأن الخوف من الله تعالى إن امتلأ به قلبُ العبدِ فإنه يدفعُ المؤمنَ للعمل الصالح، ويبادر إلى المسارعة في الخيرات وكثرة الطاعات، ويجعله يلتزم بالواجبات، ويتقرب إلى اللهِ تعالى بالنوافل، مما يجعل المسلم قريبًا من الله تعالى، وقلبه متصلٌ به في جميع الأحوال، فكل ما ذُكِرَ من الأعمال الصالحة من ذكر الله تعالى وأداء الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جميع الأعمال الصالحة التي تدخل تحت العبادات والأخلاق، كلها عبارة عن ثمرة من ثمرات خوف العبد من الله تعالى.
الهوامش:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.