ثمرات الخوف من الله

ثمرات الخوف من الله







الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ ثم أما بعد، فقد قال الله تعالي: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، دلَّت الآيةُ على أن المؤمنين لا يجوز أن يخافوا أولياء الشياطين، ولا أن يخافوا الناسَ، بل يجب عليهم أن يخافوا اللهَ وحده، وذلك هو تحقيق الإيمان بالله([1]).
فإن كمل خوف العبد من ربِّه لم يخفْ شيئًا سواه؛ قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39]، ومن نقص خوفه خافَ من المخلوق، وعلى قدر نقص الخوف وزيادته يكون الخوف([2]).
فإن من أثر الخوف من الله أنه يمنع من تخويف الشيطان وحزبه، لأنه لا يملك الضرَّ إلا اللهُ، نعم قد يقول أحد: (ياربِّ إني أخافك وأخاف من لا يخافك)، فهذا كلامٌ ساقط لا يجوز، بل على العبدِ أن يخافَ اللهَ وحده ولا يخاف أحدًا، فإن من لا يخاف اللهَ أَذَلُّ من أن يُخاف، فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان، فالخوف منه قد نهى اللهُ عنه.
وإذا قيل: قد يؤذيني!! إنما يؤذيك بتسليطِ اللهِ له، وإذا أراد اللهُ دفع شره دفعه؛ فالأمر لله، وإنما يُسَلَّط على العبدِ بذنوبه، وأنت إذا خفت اللهَ فاتقيته وتوكلت عليه كفاك شر كل شر ولم يسلطه عليك؛ فإنه قال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، وتسليطه يكون بسبب ذنوبك وخوفك منه، فأذا خِفْتَ اللهَ وتبت من ذنوبك واستغفرتها لم يُسَلَّطْ عليك؛ كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
 وقال سبحانه وتعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]، و"الربيون الكثير" عند جماهير السلف والخلف، هم الجماعات الكثير ... والمعنى على قراءة أبي عمرو: أي أن الربيون يُقْتَلون فما وهنوا، أي وما وَهَنَ من بقي منهم لقتلِ كثير منهم، أي ما ضعفوا لذلك، ولا دخلهم خورُ ولا ذلٌّ لعدوهم، بل قاموا بأمرِ الله في القتال حتى أدالهم اللهُ عليهم، وصارت كلمة الله هي العليا)([3]).
كذلك من أثر الخوف هو أنه - كما أسلفنا - يدفع إلى فعل المأمور وترك المحظور، بل الخوف هو سوطُ اللهِ الذي يُقَوِّمُ به الشاردين عن بابه كما قال بعضُ السلف([4])، وهو الوازعُ الذي يردعُ صاحبَه عن الركون إلى الدنيا والاطمئنان بها والغفلة عن الآخرة وعدم الاستعداد لها([5]).
ومن آثار الخوف وثمراته أيضًا أنه سببٌ للتمكين في الأرض في هذه الدنيا، أما في الآخرة أعد الله للمتخلقين به أجرًا عظيمًا؛ كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 13-14].
وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41]، وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 5]، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: (فَوَعَدَ بنصرِ الدنيا وبثواب الآخرة لأهل الخوف، وذلك إنما يكون لأنهم أدوا الواجبَ، فدلَّ على أن الخوف يستلزم فعل الواجب، ولهذا يُقال للفاجر: لا يخافُ اللهَ)([6]).
وقد مرَّ معنا أيضًا أن من أسباب الدخول في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله هو الخوف، وكذلك الخوف سببُ الغفران يوم القيامة كما في الحديث الذي أمر أولاده أن يحرقوه، ولما سأله اللهُ: ما حملك على هذا؟ قال: خشيتك، فغفرَ اللهُ له، وبهذا يتبين أن أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوفُ من الله، وأنه من أَجَلِّ منازل الطريق وأنفعها للقلب، فأسألُ اللهَ العظيم رب العرش الكريم أن يُخَلِّقَنَا بهذا الخلق الكريم.


الهوامش:
([1]) مجموع فتاوى ابن تيمية، (14/206) .
([2]) التخريج السابق.
([3]) التخريج السابق.
([4]) مدارج السالكين، ابن القيم، (1/382).
([5]) انظر: الإيمان الكبير، ابن تيمية، ص(19-20)، ومجموع فتاوى ابن تيمية، (14/293-294).
([6]) الإيمان الكبير، ابن تيمية، ص(21).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
ثمرات الخوف من الله doc
ثمرات الخوف من الله pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى