نقولات عن السلف في منزلة الخوف من الله

نقولات عن السلف في منزلة الخوف من الله






الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنةَ كلكم إلا رجلًا واحدًا؛ لخِفْتُ أن أكون أنا هو)!!
وخرج عمرُ يومًا إلى السوق ومعه الجارود، فإذا امرأة عجوز فسلَّم عليها عمر، فردَّتْ عليه، وقالت: (هيه يا عمر، عهدتُك وأنت تُسمى عميرًا في سوقِ عكاظ تصارعُ الصبيان، فلم تذهبْ الأيامُ حتى سمعتُ عمر، ثم قليل فسمعتُ أميرَ المؤمنين، فاتَّقِ اللهَ في الرعيةِ، واعلمْ أنه من خافَ الموتَ خشيَ الفوت، فبكى عمرُ.
فقال الجارود: لقد اجترأتِ على أميرِ المؤمنين وأبكيتِه، فأشارَ إليه عمرُ أن دعْها، فلما فرغَ قال: أما تعرفُ هذه؟ قالَ: لا، قال: هذه خولة ابنة حكيم، التي سَمِعَ اللهُ قولَها، فعمرُ أحرى أن يسمعَ كلامَها)، أشار إلى قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1].
وقال عمر رضي الله عنه لما طُعن: (لو أنَّ لي طلاع الأرضِ ذهبًا، لافتديتُ به من عذابِ اللهِ عز وجل قبْل أن أراه)([1]).
وقال عمر بن عبد العزيز: (مَنْ خافَ اللهَ أخافَ اللهُ منه كل شيء، ومن لَم يخفْ اللهَ خافَ مِنْ كُلِّ شيء)، وبكى الحسن، فقيل له: (ما يبكيكَ؟ قال: أخافُ أن يطرحني غدًا في النارِ ولا يبالي).
وقال يحيى بن معاذ الرازي: (على قدر حبِّك للهِ يُحِبُّكَ الخلقُ، وعلى قدرِ خوفِك من اللهِ يهابك الخلقُ)، وقال الإمام أحمد بن حنبل: (الخوفُ يمنعني من أكلِ الطعامِ والشرابِ، فلا أشتهيه).
وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: (رأيتُ عمرَ بن الخطاب أخذَ تبنةً من الأرضِ فقال: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أكنْ شيئًا، ليتَ أمي لم تلدْني، ليتني كنتُ نسيًا منسيًّا)([2]).
وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه فقيل له: (ما يُبْكِيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم، ولكن أبكي على بُعْدِ سفري وقِلَةِ زادي، وإني أمسيتُ في صعودٍ على جنةٍ أو نارٍ، لا أدري إلى أيتهما يُؤخذ بي)([3]).
(وكان علي بن الحسين إذا توضأ اصفرَّ وتغير، فيُقال: ما لك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟!)([4]).
قال الحسن البصري - رحمه الله -: (إن المؤمنين قومٌ ذَلَّتْ – واللهِ - منهم الأسماعُ والأبصارُ والأبدانُ حتى حسبهم الجاهلُ مرضى، وهم واللهِ أصحابُ القلوب؛ ألا تراه يقول: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34]، واللهِ لقد كابدوا في الدنيا حزنًا شديدًا، وجرى عليهم ما جرى على ما كان من قبلهم)، وقال أيضًا: (لقد مضى بين يديكم أقوامٌ لو أن أحدَهم أنفقَ عدد هذا الحصى لخشي أن لا ينجو من عِظَمِ ذلك اليوم)([5]).
وقال أيضًا في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 9]، قال: (الخوف الدائم في القلب)([6])، وقال أيضًا: (أَبْصَرَ أبو بكر طائرًا على شجرةٍ فقال: طوبى لك يا طائر تأكلُ الثمرَ، وتقعُ على الشجر، لوددتُ أني تمرة ينقرها الطيرُ)([7]).
وقال عمرُ بن عبد العزيز: (من خافَ اللهَ خوَّفَ منه كل شيء، ومَنْ لَمْ يَخَفْ اللهَ خافَ من كل شيء)، والخوف المطلوب: هو الخوف الذي يحجزُ الإنسانَ عن محارم الله، كما قال ذلك ابنُ تيمية - رحمه الله -.
وقال ابنُ رجب - رحمه الله -: (القدرُ الواجب من الخوفِ ما حَمَلَ على أداءِ الفرائض واجتناب المحارم، فإن زادَ على ذلك بحيث صارَ باعثًا للنفوس على التشميرِ في نوافل الطاعات والانكفافِ عن دقائق المكروهات والتبسط في فضولِ المباحات؛ كان ذلك فضلًا محمودًا، فإن تزايدَ على ذلك بأن أورثَ مرضًا أو موتًا أو همًّا لازمًا؛ بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عز وجل لم يكن محمودًا)([8]).
وأخيرًا؛ على العبد أن يجمعَ بين الخوف والرجاء، فهما كما قال ابنُ القيم - رحمه الله -: (جناحان يطيرُ بهما العبدُ إلى ربِّه، فما حال الطائر إذا فَقَدَ أحدَ جناحيه؟!)([9]).
وقال أبو حفص: (الخوفُ سوطُ اللهِ يُقَوِّمُ به الشاردين عن بابِه)، وقال: (الخوفُ سراجٌ في القلبِ، به يبصر ما فيه من الخير والشر)، وقال أبو سليمان: (ما فارق الخوفُ قلبًا إلا خَرِبَ).
وقال إبراهيم بن سفيان: (إذا سَكَنَ الخوفُ القلوبَ أَحْرَقَ مواضع الشهوات منها، وَطَرَدَ الدنيا عنها)، وقال ذو النون: (الناسُ على الطريقِ ما لم يزلٍ عنهم الخوفُ، فإذا زالَ عنهم الخوفُ ضَلُّوا عن الطريقِ)([10]).
قال ابنُ حمدان: (سمعتُ أبا عثمان يقول: الخوفُ من اللهِ يوصلك إليه، والعُجْبُ يقطعُك عنه، واحتقارُ الناسِ في نفسِك مرضٌ لا يُداوى)([11]).
وقال أبو سليمان الداراني: (إنَّ النفسَ إذا جاعت وعطشت صفا القلبُ وَرَقَّ، وإذا شبعتْ ورويت عميَ القلبُ)، وقال: (مفتاحُ الدنيا الشبعُ ومفتاحُ الآخرةِ الجوعُ، وأصلُ كل خير في الدنيا والآخرة الخوفُ مِنَ اللهِ عز وجل)([12]).
قال ابنُ الجوزي - رحمه الله -: (تأملتُ حالةً أزعجتني، وهو أن الرجلَ قد يفعلُ مع امرأته كلَّ جميلٍ وهي لا تحبه، وكذا يفعلُ مع صديقِه والصديق يبغضُه، وقد يتقرب إلى السلطانِ بكلِّ ما يقدرُ عليه والسلطانُ لا يؤثره؛ فيبقى متحيرًا يقول: ما حيلتي؟ فَخِفْتُ أن تكونَ هذه حالتي مع الخالقِ سبحانه وتعالى، أتقربُ إليه وهو لا يريدُني، وربما يكون قد كتبني شقيًّا في الأزلِ، ومن هذا خاف الحسنُ فقالَ: أخافُ أن يكونَ اطلع على بعضِ ذنوبي فقال: لا غَفَرْتُ لَك)([13]).
ومن أقوال المفسرين:
قال ابنُ كثير - رحمه الله - في قوله تعالى: {الْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} [الأحزاب: 35]: (الخشوع: السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع، والحامل عليه الخوفُ مِنَ اللهِ تعالى ومراقبته)([14]).
وقال ابنُ عاشور: (وكأن المراد بالخاشعين هنا الخائفون الناظرون في العواقب، فتخف عليهم الاستعانة بالصبر والصلاة، مع ما في الصبرِ من القمع للنفس، وما في الصلاة من التزام أوقات معينة، وطهارة في أوقات قد يكون للعبد فيها اشتغالٌ بما يهوي أو بما يُحَصِّلُ منه مالًا أو لذةً)([15]).
وقال القرطبي - رحمه الله - في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 3]: (طَهَّرَهُم مِنْ كُلِّ قَبيحٍ، وَجَعَلَ في قلوبِهم الخوف مِنَ اللهِ)([16]).
 

الهوامش:
([1]) رواه البخاري، كتاب أصحاب النبي r، باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي t، (3692).
([2]) التخويف من النار، ابن رجب، ص(17).
([3]) شرح السنة، البغوي، (14/373).
([4]) التخريج السابق.
([5]) مختصر منهاج القاصدين، المقدسي، ص(314).
([6]) التخويف من النار، ابن رجب، ص(21).
([7]) المصدر السابق، ص(55).
([8]) المصدر السابق، ص(81).
([9]) انظر: مدارج السالكين، ابن القيم، (1/517).
([10]) المصدر السابق، (1/513).
([11]) صفة الصفوة، ابن الجوزي، (4/105).
([12]) جامع العلوم والحكم، ابن رجب، (1/427-428).
([13]) صيد الخاطر، ابن الجوزي، (1/243).
([14]) تفسير ابن كثير، (3/643).
([15]) التحرير والتنوير، ابن عاشور، (1/274).
([16]) تفسير القرطبي، (16/262).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
نقولات عن السلف في منزلة الخوف من الله doc
نقولات عن السلف في منزلة الخوف من الله pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى