الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛
1 - معنى الرَّزق في اللغة:
قال ابن فارس: "الراء والزاء والقاف، أصيل واحد، يدل على عطاء لوقت، ثم يحمل عليه غير الموقوت، فالرزق عطاء الله - جل ثناؤه -، ويقال رزقه الله رَزْقاً، والاسم الرِّزْق، والرِّزْق بلغة أزد شنوءة الشكر، من قوله - جل ثناؤه -: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة - 82] ".
والرِّزق: ما ينتفع به، والجمع الأرزاق، والرَّزق العطاء. قال الخليل: "رَزَق الله يرزق العباد، رِزْقاً اعتمدوا عليه، وهو الاسم أخرج على المصدر، وقيل: رَزْق".
فالرَّزق بفتح الراء هو المصدر الحقيقي، والرِّزق الاسم، ويجوز أن يوضع موضع المصدر.
فالرَّزق هو المصدر الذي يقع موقع الصفة، والرِّزق هو اسم المفعول ويجوز أن يوضع موضع المصدر، ومدار لفظ الرزق في اللغة على العطاء أو ماينتفع به.
2 - معنى الرزق في الشرع:
ورد لفظ الرزق كثيراً في كتاب الله، كما ورد الفعل منه بتصريفاته، ومنها قوله - تعالى -: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} [البقرة - 60]، وقوله: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [فاطر - 3] .
كما ورد لفظ الرزق في السنة المطهرة، وورد الفعل منه، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله - عز وجل -، إنه يشرك به، ويجعل له الولد، ثم هو يعافيهم، ويرزقهم".
ومعنى الرزق في الكتاب والسنة هو بمعناه الوارد في اللغة، يقول الحافظ أبو بكر الإسماعيلي - رحمه الله - في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: "وإن الله يرزق كل حي مخلوق، رزق الغذاء الذي به قوام الحياة، وهو ما يضمن الله لمن أبقاه من خلقه، وهو الذي رزقه من حلال أو حرام".
ويقول الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - في بيانه لصفات الله: "وأما الفعلية؛ فالتخليق، والترزيق، والإنشاء..".
وقال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: "وكذلك كونه خالقاً، ورازقاً، ومحسناً، وعادلاً، فإن هذه أفعال فعلها بمشيئته وقدرته".
وقال ابن القيم - رحمه الله - في النونية:
وكذلك الرزاق من أسمائه ... والرزق من أفعاله نوعان
رزق على يد عبده ورسوله ... نوعان أيضا ذان معروفان
رزق القلوب العلم والإيمان ... والرزق المعد لهذه الأبدان
هذا هو الرزق الحلال وربنا ... رزاقه والفضل للمنان
والثاني سوق القوت للأعضاء فـ ... ـي تلك المجاري سوقه بوزان
هذا يكون من الحلال كما ... يكون من الحرام كلاهما رزقان
والله رازقه بهذا الاعتبار ... وليس بالإطلاق دون بيان
ولفظ الرزق يقع على الصفة التي هي المصدر، كما يقع على متعلقها الذي هو مسمى المفعول، وهو الشيء المرزوق، كلفظ الخلق يقع تارة على الفعل، وعلى المخلوق أخرى.
والرزق من حيث اسم المفعول فيه إجمال: فقد يراد بلفظ الرزق ماينتفع به الحيوان، وإن لم يكن هناك إباحة، ولا تمليك، فيدخل فيه الحرام، كما في قوله - تعالى -: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود - 6] .
وقد يراد بالرزق ما أباحه الله أو ملكه، فلا يدخل الحرام في مسمى هذا الرزق، كما في قوله - تعالى -: {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً} [النحل - 75] وأمثال ذلك.
والعبد قد يأكل الحلال والحرام فهو رزق بالاعتبار الأول، لا بالاعتبار الثاني، وما اكتسبه ولم ينتفع به، هو رزق بالاعتبار الثاني دون الأول. ولأجل هذا الإجمال في لفظ الرزق، منع الأئمة من إطلاق ذلك نفياً وإثباتاً.
فالرزق الذي هو المصدر صفة فعلية من صفات الرب - سبحانه -، قائمة بذاته، متعلقة بقدرته ومشيئته، وهي إعطاء الله - تعالى - خلقه ما ينتفعون به.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.