الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد:
معنى الرّب في اللغة:
الرب في اللغة يراد به المالك، والخالق، والسيد، والمدبر، والمربي، والمصلح، والقيم، والمنعم. يقول ابن فارس: "الراء والباء يدل على أصول. فالأول إصلاح الشيء والقيام عليه. فالرّب: المالك، والخالق، والصاحب. والرّب: المصلح للشيء. يقال ربَّ فلانٌ ضَيعَته؛ إذا قام على إصلاحها.. والله - جل ثناؤه - الرب لأنه مصلح أحوالِ خلقه"[1].
وقال الجوهري[2]: "ربُّ كل شيء مالكه، والرّب اسم من أسماء الله - عز وجل -، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة..ورَببت القوم سستهم، أي كنت فوقهم..ورَبَّ الضيعة أي أصلحها وأتمها. ورَبَّ فلان ولده يربه ربا، ورببه، وترببه، بمعنىً أي رباه"[3]. وقال ابن الأثير[4]: "الرّب يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيم والمنعم "[5].
معنى الرب في الشرع:
ورد لفظ الرب كثيراً في كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكان المعنى فيها هو معنى الرب الذي ورد في اللغة. ومن تلك الآيات قوله - تعالى -: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة - 2] ، وقوله - تعالى -: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون - 86] وغيرها. يقول الطبري - رحمه الله -: "فربنا - جل ثناؤه - السيد الذي لاشبه له ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر"[6].
ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً"[7].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "والرب هو الذى يربى عبده، فيعطيه خلقه، ثم يهديه إلى جميع أحواله، من العبادة وغيرها"[8].
وقال أيضا: "فإن الرب - سبحانه - هو المالك، المدبر، المعطي، المانع، الضار، النافع، الخافض، الرافع، المعز، المذل"[9].
ويقول ابن القيم - رحمه الله -: "والرب هو السيد، والمالك، والمنعم، والمربي، والمصلح، والله - تعالى - هو الرب بهذه الاعتبارات كلها"[10].
وقال ابن كثير - رحمه الله -: "والرب هو المالك المتصرف"[11].
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله -: "الرب هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم، وأخص من هذا تربيته لأصفيائه؛ بإصلاح قلوبهم، وأرواحهم، وأخلاقهم"[12].
وتعريف المتكلمين للرب مماثل لتعريف أهل السنة، فيقول البغدادي: "والرب بمعنى المالك للمملوكات كلها، وقد يكون بمعنى المصلح للشيء"[13]، وقال الرازي: "والرب هو المتصرف بالشيء"[14].
فالرب إذاً صفة ذاتية لله - تعالى -، وهي بمعنى السيد والمالك والمتصرف والمنعم والمربي والمصلح.
الهوامش:
[1] معجم مقاييس اللغة 2/381 - 382، وانظر: الصحاح 1/130 - 132، لسان العرب 1/401 - 403.
[2] الجوهري إمام اللغة، أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي، مصنف كتاب الصحاح وأحد من يضرب به المثل في ضبط اللغة، وللجوهري نظم حسن ومقدمة في النحو، وقد مات الجوهري متردياً من سطح داره بنيسابور في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة، وقيل مات في حدود سنة أربع مئة. انظر: سير أعلام النبلاء17/80 - 82.
[3] الصحاح 1/130 - 132، وانظر: العين 8/257.
[4] المبارك بن محمد بن محمد الشيباني الجزري، أبو السعادات، مجد الدين المحدث اللغوي الأصولي، من مؤلفاته "النهاية في غريب الحديث والأثر"، و"جامع الأصول في أحاديث الرسول". توفي سنة 606 هجرية. انظر: السير21/488، معجم المؤلفين 8/174.
[5] النهاية في غريب الحديث 2/179، وانظر: اللسان 1/401.
[6] جامع البيان 1/62.
[7] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا فهو مؤمن وإن ارتكب المعاصي 1/62، ح 56.
[8] مجموع الفتاوى 1/22، وانظر: 10/284من المصدر نفسه.
[9] المرجع السابق 1/92.
[10] بدائع الفوائد 4/132، وانظر: المدارج 1/34 - 35.
[11] تفسير القرآن العظيم 1/25.
[12] تيسير الكريم الرحمن للسعدي 1/21.
[13] أصول الدين ص125، وانظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص95.
[14] المطالب العالية 9/291.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.